تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٨٣
اليهود والنصارى من الاشتراك الذي يظهر في قوله: (فسأكتبها للذين يتقون)، وخلصت هذه العدة لأمة محمد / صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس وغيره. قلت: وهذه الآية الكريمة معلمة بشرف هذه الأمة على العموم في كل من آمن بالله تعالى، وأقر برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ثم هم يتفاوتون بعد في الشرف، بحسب تفاوتهم في حقيقة الاتباعية للنبي صلى الله عليه وسلم، قال الغزالي رحمه الله في " الإحياء ": وإنما أمته صلى الله عليه وسلم من اتبعه، وما اتبعه إلا من أعرض عن الدنيا، وأقبل على الآخرة، فإنه عليه السلام ما دعا إلا إلى الله، واليوم الآخر، وما صرف إلا عن الدنيا والحظوظ العاجلة، فبقدر ما تعرض عن الدنيا، وتقبل على الآخرة، تسلك سبيله الذي سلكه صلى الله عليه وسلم، وبقدر ما سلكت سبيله، فقد اتبعته، وبقدر ما اتبعته، صرت من أمته، وبقدر ما أقبلت على الدنيا، عدلت عن سبيله، ورغبت عن متابعته، والتحقت بالذين قال الله تعالى فيهم: (فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى) [النازعات: 37، 38، 39]. انتهى، فإن أردت اتباع النبي صلى الله عليه وسلم على الحقيقة، واقتفاء أثره، فأبحث عن سيرته وخلقه في كتب الحديث والتفسير.
قال ابن القطان في تصنيفه الذي صنفه في " الآيات والمعجزات ": والقول الوجيز في زهده وعبادته وتواضعه وسائر حلاه ومعاليه صلى الله عليه وسلم: أنه ملك من أقصى اليمن إلى صحراء عمان إلى أقصى الحجاز، ثم توفي عليه السلام، وعليه دين، ودرعه مرهونة في طعام لأهله، ولم يترك دينارا ولا درهما، ولا شيد قصرا، ولا غرس نخلا، ولا شقق نهرا، وكان يأكل على الأرض ويجلس على الأرض، ويلبس العباءة، ويجالس المساكين، ويمشي في الأسواق، ويتوسد يده، ويلعق أصابعه، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويصلح خصه، ويمهن لأهله، ولا يأكل متكئا، ويقول: " أنا عبد آكل كما يأكل العبد "، ويقتص من نفسه، ولا يرى ضاحكا ملء فيه ولو دعي إلي ذراع، لأجاب، ولو أهدي إليه كراع لقبل، لا يأكل وحده، ولا يضرب عبده، ولا يمنع رفده ولا ضرب قط بيده إلا في سبيل الله، وقام لله حتى تورمت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: " أفلا أكون عبدا شكورا "، وكان يسمع لجوفه أزيز، كأزيز المرجل من البكاء، إذا قال بالليل صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأتباعه صلاة دائمة إلى يوم القيامة. انتهى.
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة