تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٥٢٨
به)، أي: فاختلط النبات بعضه ببعض بسبب النماء، (فأصبح هشيما) أصبح عبارة عن صيرورته إلى ذلك، و " الهشيم " المتفتت من يابس العشب، و (تذروه) بمعنى تفرقه، فمعنى هذا المثل تشبيه حال المرء في حياته وماله وعزته وبطره، بالنبات الذي له خضرة ونضرة عن الماء النازل، ثم يعود بعد ذلك هشيما، ويصير إلى عدم، فمن كان له عمل صالح يبقى في الآخرة، فهو الفائز.
وقوله سبحانه: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) لفظه الخبر، لكن معه قرينة الصفة للمال والبنين، لأنه في المثل قبل حقر أمر الدنيا وبينه، فكأنه يقول: المال والبنون زينة هذه الحياة الدنيا المحقرة، فلا تتبعوها نفوسكم، والجمهور أن (الباقيات الصالحات). هي الكلمات المذكور فضلها في الأحاديث: " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "، وقد جاء ذلك مصرحا به من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " وهن الباقيات الصالحات ".
وقوله سبحانه: (خير عند ربك ثوابا وخير أملا) أي: صاحبها ينتظر الثواب، وينبسط أمله، فهو خير من حال ذي المال والبنين، دون عمل صالح، وعن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " استكثروا من الباقيات الصالحات " قيل: وما هن، يا رسول الله؟ قال: " التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة / إلا بالله " رواه النسائي وابن حبان في " صحيحه " انتهى من " السلاح ".
وفي " صحيح مسلم " عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أحب الكلام إلى الله تعالى أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت " وفي " صحيح مسلم "، عن أبي مالك الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض... " الحديث انتهى.
قال ابن العربي في " أحكامه ": وروى مالك عن سعيد بن المسيب، أن الباقيات الصالحات قول العبد: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول
(٥٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 523 524 525 526 527 528 529 530 531 532 533 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة