تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٥١٠
الغار، وإنهم دفنوا ذلك في بناء الملك على الغار، وروت فرقة، أن الملك لما علم بذهاب الفتية، أمر بقص آثارهم إلى باب الغار، وأمر بالدخول عليهم، فهاب الرجال ذلك، فقال له بعض وزرائه: " ألست أيها الملك إن أخرجتهم قتلتهم؟ قال: نعم، قال: فأي قتلة أبلغ من الجوع والعطش، ابن عليهم باب الغار، ودعهم يموتوا فيه، ففعل، وقد ضرب الله على آذانهم كما تقدم، ثم أخبر الله سبحانه عن الفتية أنهم لما أووا إلى الكهف، أي: دخلوه وجعلوه مأوى لهم وموضع اعتصام دعوا الله تعالى بأن يؤتيهم من عنده رحمة، وهي الرزق فيما ذكره المفسرون، وأن يهيئ لهم من أمرهم رشدا، خلاصا جميلا، وهذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم، وألفاظهم تقتضي ذلك، وقد كانوا على ثقة من رشد الآخرة ورحمتها، وينبغي لكل مؤمن أن يجعل دعاءه في أمر دنياه بهذه الآية الكريمة فقط، فإنها كافية، ويحتمل ذكر الرحمة أن يراد بها أمر الآخرة.
وقوله تعالى: (فضربنا على آذانهم...) الآية: عبارة عن إلقاء الله تعالى النوم عليهم.
وقوله: (عددا) نعت ل‍ " لسنين " والقصد به العبارة عن التكثير.
وقوله: (لنعلم): عبارة عن خروج ذلك الشئ إلى الوجود، أي: لنعلم ذلك موجودا وإلا فقد كان سبحانه علم أي الحزبين أحصى الأمد، و " الحزبان ": الفريقان، والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم الفتية، إذ ظنوا لبثهم قليلا، والحزب الثاني هم أهل المدينة الذين بعث الفتية على / عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية، وهذا قول الجمهور من المفسرين، وأما قوله: (أحصى) فالظاهر الجيد فيه أنه فعل ماض، و (أمدا) منصوب به على المفعول، " والأمد ": الغاية، ويأتي عبارة عن المدة، وقال الزجاج:
(أحصى) هو " أفعل "، ويعترض بأن " أفعل " لا يكون من فعل رباعي إلا في الشاذ،
(٥١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 505 506 507 508 509 510 511 512 513 514 515 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة