تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ١٩٩
واختصار ما ذكره الطبري وغيره من أمره: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أدع الله أن يجعل لي مالا، فإني لو كنت ذا مال، لقضيت حقوقه، وفعلت فيه الخير، فراده النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه " فعاود، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا تريد أن تكون مثل رسول الله، ولو دعوت الله أن يسير الجبال معي ذهبا، لسارت " فأعاد عليه حتى دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فاتخذ غنما، فنمت كما ينمو الدود، حتى ضاقت به المدينة، فتنحى عنها، وكثرت غنمه، حتى كان لا يصلي إلا الجمعة، ثم كثرت حتى تنحى بعيدا، فترك الصلاة، ونجم نفاقه، ونزل خلال ذلك فرض الزكاة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم مصدقين بكتابه في أخذ زكاة الغنم، فلما بلغوا ثعلبة، وقرأ الكتاب، قال: هذه أخت الجزية، ثم قال لهم: دعوني حي أرى رأيي، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروه، قال:
" ويح ثعلبة " ثلاثا، ونزلت الآية فيه، فحضر القصة قريب لثعلبة، فخرج إليه، فقال: أدرك أمرك، فقد نزل فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرغب أن يؤدي زكاته، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " إن الله أمرني ألا آخذ زكاتك "، فبقي كذلك حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ورد ثعلبة على أبي بكر، ثم على عمر، ثم على عثمان، يرغب إلى كل واحد منهم أن يأخذ منه الزكاة، فكلهم رد ذلك وأباه، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فبقي ثعلبة كذلك حتى هلك في مدة عثمان.
وفي قوله تعالى: (فأعقبهم): نص في العقوبة على الذنب بما هو أشد منه.
وقوله: (إلى يوم يلقونه): يقتضي موافاتهم على النفاق، قال ابن العربي: في ضمير
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة