تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٥٣٦
النقاش أنه روي أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ارجع يا محمد إلى ديننا، واعبد آلهتنا، واترك ما أنت عليه، ونحن نتكفل لك بكل تباعة تتوقعها في دنياك وآخرتك، فنزلت هذه الآية، وهي استفهام يقتضي التوبيخ لهم، و (أبغي): معناه أطلب، فكأنه قال: أفيحسن عندكم أن أطلب إلها غير الله الذي هو رب كل شئ، وما ذكرتم من كفالتكم باطل ليس الأمر كما تظنون، فلا تكسب كل نفس من الشر والإثم إلا عليها وحدها، (ولا تزر)، أي: تحمل (وازرة)، أي: حاملة حمل أخرى وثقلها، و " الوزر ": أصله الثقل، ثم استعمل في الإثم، تجوزا واستعارة، (ثم إلى ربكم مرجعكم): تهديد ووعيد، وقوله: (فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)، أي: في أمري في قول بعضكم: هو ساحر، وبعضكم: هو شاعر، إلى غير ذلك، قاله بعض المتأولين، وهذا التأويل يحسن في هذا الموضع، وإن كان اللفظ يعم جميع أنواع الاختلافات بين الأديان والملل والمذاهب وغير ذلك، و (خلائف):
جمع خليفة، أي: يخلف بعضكم بعضا، لأن من أتى خليفة لمن مضى، وهذا يتصور في جميع الأمم وسائر أصناف الناس، ولكنه يحسن في أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يسمى أهلها بجملتهم خلائف للأمم، وليس لهم من يخلفهم، إذ هم آخر الأمم، وعليهم تقوم الساعة، وروي الحسن بن أبي الحسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل "، ويروى: " أنتم آخرها وأكرمها على الله ".
وقوله: (ورفع بعضكم فوق بعض درجات): لفظ عام في المال، والقوة، والجاه، وجودة النفوس والأذهان، وغير ذلك، وكل ذلك إنما هو ليختبر الله سبحانه الخلق، فيرى المحسن من المسئ، ولما أخبر الله عز وجل بهذا، ففسح للناس ميدان العمل، وحضهم سبحانه على الاستباق إلى الخيرات، توعد ووعد، تخويفا منه وترجية، فقال: (إن ربك سريع العقاب) إما بأخذاته يحيى في الدنيا، وإما بعقاب الآخرة، وحسن أن يوصف عقاب الآخرة ب‍ " سريع "، لما كان متحققا مضمون الإتيان والوقوع، وكل آت قريب، (وإنه لغفور رحيم): ترجية لمن أذنب وأراد التوبة، وهذا في كتاب الله كثير، وهو اقتران الوعيد بالوعد، لطفا من الله سبحانه بعباده، اللهم اجعلنا ممن شملته رحمتك وغفرانك، بجودك وإحسانك، ومن كلام الشيخ الولي العارف أبي الحسن الشاذلي (رحمه الله) قال: من أراد ألا يضره ذنب، فليقل: رب أعوذ بك من عذابك يوم تبعث عبادك، وأعوذ بك من عاجل العذاب، ومن سوء الحساب، فإنك لسريع الحساب، وإنك لغفور رحيم، رب إني ظلمت
(٥٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 537 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة