تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٥٢٨
وقوله سبحانه: (ذلك جزيناهم ببغيهم) يقتضي أن هذا التحريم إنما كان عقوبة لهم على بغيهم، واستعصائهم على أنبيائهم.
وقوله سبحانه: (وإنا لصادقون): إخبار يتضمن التعريض بكذبهم في قولهم: ما حرم الله علينا شيئا.
وقوله سبحانه: (فإن كذبوك): أي: فيما أخبرت به، أن الله حرمه عليهم، (فقل ربكم ذو رحمة واسعة) أي في إمهاله، إذ لم يعاجلكم بالعقوبة، مع شدة جرمكم، ولكن لا تغتروا بسعة رحمته، فإن له بأسا لا يرد عن القوم المجرمين، إما في الدنيا وإما في الآخرة، وهذه الآية وما جانسها من آيات مكة مرتفع حكمها بآية القتال، ثم أخبر سبحانه نبيه - عليه السلام -، بأن المشركين سيحتجون، لتصويب ما هم عليه من شركهم وتدينهم:
بتحريم تلك الأشياء بإمهال الله تعالى لهم، وتقريره حالهم، وأنه لو شاء غير ذلك، لما تركهم على تلك الحال، ولا حجة لهم فيما ذكروه، لأنه سبحانه شاء إشراكهم وأقدرهم على الاكتساب، ويلزمهم على احتجاجهم أن تكون كل طريقة وكل نحلة صوابا، إذ كلها لو شاء الله لم تكن، وفي الكلام حذف يدل عليه تناسق الكلام، كأنه قال: سيقول المشركون كذا وكذا، وليس في ذلك حجة لهم، ولا شئ يقتضى تكذيبك، ولكن، (كذلك كذب الذين من قبلهم)، بنحو هذه الشبهة من ظنهم أن ترك الله لهم دليل على رضاه بحالهم، وفي قوله تعالى: (حتى ذاقوا بأسنا): وعيد بين.
وقوله سبحانه: (قل هل عندكم من علم). أي: من قبل الله، (قل فلله الحجة البالغة)، يريد البالغة غاية المقصد في الأمر الذي يحتج له، ثم أعلم سبحانه أنه لو شاء، لهدى العالم بأسره، و (هلم): معناها: هات، وهي حينئذ متعدية، وقد تكون بمعنى:
" أقبل "، فلا تتعدى، وبعض العرب يجعلها اسم فعل، ك‍ " رويدك "، وبعضهم يجعلها فعلا، ومعنى الآية: قل هاتوا شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم ما زعمتم تحريمه، (فإن شهدوا)، أي: فإن افترى لهم أحد أو زور شهادة أو خبرا عن نبوة ونحو ذلك، فجنب أنت ذلك، ولا تشهد معهم، قلت: وهذه الآية / والتي بعدها من نوع ما تقدم من أن الخطاب له صلى الله عليه وسلم، والمراد غيره ممن يمكن ذلك منه، (وهم بربهم يعدلون)، أي: يجعلون له أندادا يسوونهم به، تعالى الله عن قولهم.
(٥٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 523 524 525 526 527 528 529 530 531 532 533 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة