تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٦١
صفة لحرما جيئ بها لما عسى أن يتوهم انهم يتضررون ان آمنوا بانقطاع الميرة.
وقوله: (رزقا من لدنا) مفعول مطلق أو حال من ثمرات، وقوله: (ولكن أكثرهم لا يعلمون) استدراك عن جميع ما تقدم أي انا نحن حفظناهم في أمن ورزقناهم من كل الثمرات لكن أكثرهم جاهلون بذلك فيحسبون أن الذي يحفظهم من تخطف العرب هو شركهم وعبادتهم الأصنام.
قوله تعالى: (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها) إلى آخر الآية البطر الطغيان عند النعمة، و (معيشتها) منصوب بنزع الخافض أي وكم أهلكنا من قرية طغت في معيشتها.
وقوله: (فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم الا قليلا) أي ان مساكنهم الخربة الخاوية على عروشها مشهودة لكم نصب أعينكم باقية على خرابها لم تعمر ولم تسكن بعد هلاكهم الا قليلا منها.
وبذلك يظهر أن الأنسب كون (الا قليلا) استثناء من (مساكنهم) لا من قوله: (من بعدهم) بأن يكون المعنى لم تسكن من بعدهم الا زمانا قليلا إذ لا يسكنها الا المارة يوما أو بعض يوم في الاسفار.
وقوله: (وكنا نحن الوارثين) حيث ملكوها ثم تركوها فلم يخلفهم غيرنا فنحن ورثناهم مساكنهم، وفى الجملة أعني قوله: (كنا نحن الوارثين) عناية لطيفة فإنه تعالى هو المالك لكل شئ ملكا حقيقيا مطلقا فهو المالك لمساكنهم وقد ملكها إياهم بتسليطهم عليها ثم نزعها من أيديهم باهلاكهم وبقيت بعدهم لا مالك لها الا هو فسمى نفسه وارثا لهم بعناية أنه الباقي بعدهم وهو المالك لما كان بأيديهم كأن ملكهم الاعتباري انتقل إليه ولا انتقال هناك بالحقيقة وانما ظهر ملكه الحقيقي بزوال ملكهم الاعتباري.
والآية جواب ثان منه تعالى لقولهم: (ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) ومحصله أن مجرد عدم تخطف العرب لكم من أرضكم لا يضمن لكم البقاء ولا يحفظ لكم أرضكم والتنعم فيها كما تشاؤن فكم من قرية بالغة في التنعم ذات أشر وبطر أهلكنا أهلها وبقيت مساكنهم خالية غير مسكونة لا وارث لها الا الله.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست