تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٠٥
المنعمون في الجنة، قال تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) الفجر: 30.
وأما إرادة المجتمع الصالح في الدنيا فبعيد من السياق.
قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) إلى آخر الآية، لما كان ايمان هؤلاء مقيدا بالعافية والسلامة مغيى بالايذاء والابتلاء لم يعده ايمانا بقول مطلق ولم يقل: ومن الناس من يؤمن بالله بل قال: (ومن الناس من يقول آمنا بالله) فالآية بوجه نظيرة قوله: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فان أصابه خير اطمأن به وان أصابته فتنة انقلب على وجهه) الحج: 11.
وقوله: (فإذا أوذي في الله) أي أوذي لأجل الايمان بالله بناء على أن في للسببية كما قيل وفيه عناية كلامية لطيفة بجعله تعالى - أي جعل الايمان بالله - ظرفا للايذاء ولمن يقع عليه الايذاء ليفيد أن الايذاء منتسب إليه تعالى انتساب المظروف إلى ظرفه وينطبق على معنى السببية والغرضية ونظيره قوله: (يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) الزمر: 56، وقوله: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) حيث جعل الجهاد في الله طريقا إلى الاهتداء إلى سبله ولو كانا بمعنى واحد لم يصح ذلك.
وقوله: (جعل فتنة الناس كعذاب الله) أي نزل العذاب والايذاء الذي يصيبه من الناس في وجوب التحرز منه منزلة عذاب الله الذي يجب أن يتحرز منه فرجع عن الايمان إلى الشرك خوفا وجزعا من فتنتهم مع أن عذابهم يسير منقطع الاخر بنجاة أو موت ولا يقاس ذلك بعذاب الله العظيم المؤبد الذي يستتبع الهلاك الدائم.
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»
الفهرست