تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٠٠
قوله تعالى: (ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) اللامان للقسم، وقوله: (ولقد فتنا الذين من قبلهم) حال من الناس في قوله: (أحسب الناس) أو من ضمير الجمع في قوله (لا يفتنون) وعلى الأول فالانكار والتوبيخ متوجه إلى ظنهم أنهم لا يفتنون مع جريان السنة الإلهية على الفتنة والامتحان وعلى الثاني إلى ظنهم الاختلاف في فعله تعالى حيث يفتن قوما ولا يفتن آخرين، ولعل الوجه الأول أوفق للسياق.
فالظاهر أن المراد بقوله: (ولقد فتنا الذين من قبلهم) أن الفتنة والامتحان سنة جارية لنا وقد جرت في الذين من قبلهم وهي جارية فيهم ولن تجد لسنة الله تبديلا.
وقوله: (فليعلمن الله الذين صدقوا) الخ تعليل لما قبله، والمراد بعلمه تعالى بالذين صدقوا بالكاذبين ظهور آثار صدقهم وكذبهم في مقام العمل بسبب الفتنة والامتحان الملازم لثبوت الايمان في قلوبهم حقيقة وعدم ثبوته فيها حقيقة فان السعادة التي تترتب على الايمان المدعو إليه وكذا الثواب انما تترتب على حقيقة الايمان الذي له آثار ظاهرة من الصبر عند المكاره والصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله لا على دعوى الايمان المجردة.
ويمكن أن يكون المراد بالعلم علمه تعالى الفعلي الذي هو نفس الامر الخارجي فان الأمور الخارجية بنفسها من مراتب علمه تعالى، وأما علمه تعالى الذاتي فلا يتوقف على الامتحان البتة.
والمعنى: أحسبوا أن يتركوا ولا يفتنوا بمجرد دعوى الايمان واظهاره والحال أن الفتنة سنتنا وقد جرت في الذين من قبلهم فمن الواجب أن يتميز الصادقون من الكاذبين بظهور آثار صدق هؤلاء وآثار كذب أولئك الملازم لاستقرار الايمان في قلوب هؤلاء وزوال صورته الكاذبة عن قلوب أولئك.
والالتفات في قوله: (فليعلمن الله) إلى اسم الجلالة قيل: للتهويل وتربية المهابة والظاهر أنه في أمثال المقام لإفادة نوع من التعليل وذلك أن الدعوة إلى الايمان والهداية إليه والثواب عليه لما كانت راجعة إلى المسمى بالله الذي منه يبدأ كل شئ وبه يقوم كل شئ واليه ينتهى كل شئ بحقيقته فمن الواجب أن يتميز عنده حقيقة الايمان من
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»
الفهرست