تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٩٣
ومعنى الآية يوم الفرقان هو الوقت الذي أنتم نزول بالعدوة الدنيا وهم نزول بالعدوة القصوى، وقد توافق نزولكم بها ونزولهم بها بحيث لو تواعدتم بينكم ان تلتقوا بهذا الميعاد لاختلفتم فيه ولم تتلاقوا على هذه الوتيرة فلم يكن ذلك منكم ولا منهم ولكن ذلك كان أمرا مفعولا والله قاضيه وحاكمه، وإنما قضى ما قضى ليظهر آية بينة فتتم بذلك الحجة، ولأنه قد استجاب بذلك دعوتكم بما سمع من استغاثتكم وعلم به من حاجة قلوبكم.
قوله تعالى: (إذ يريكهم الله في منامك قليلا) إلى آخر الآية، الفشل هو الضعف مع الفزع، والتنازع هو الاختلاف وهو من النزع نوع من القلع كأن المتنازعين ينزع كل منهما الاخر عما هو فيه، والتسليم هو النتيجة.
والكلام على تقدير أذكر أي أذكر وقتا يريكهم الله في منامك قليلا، وإنما أراكهم قليلا ليربط بذلك قلوبكم وتطمئن نفوسكم ولو أراكهم كثيرا ثم ذكرتها للمؤمنين أفزعكم الضعف واختلفتم في أمر الخروج إليهم ولكنه تعالى نجاكم بإراءتهم قليلا عن الفشل والتنازع انه عليم بذات الصدور وهى القلوب يشهد ما يصلح به حال القلوب في اطمئنانها وارتباطها وقوتها.
والآية تدل على أن الله سبحانه أرى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم رؤيا مبشرة رأى فيها ما وعده الله من إحدى الطائفتين انها لهم، وقد أراهم قليلا لا يعبأ بشأنهم، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر ما رآه للمؤمنين ووعدهم وعد تبشير فعزموا على لقائهم. والدليل على ذلك قوله: (ولو أراكهم كثيرا لفشلتم) الخ وهو ظاهر.
قوله تعالى: (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم إلى آخر الآية). معنى الآية ظاهر، ولا تنافى بين هذه الآية وقوله تعالى: (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء) آل عمران: 13 بناء على أن الآية تشير إلى وقعة بدر.
وذلك أن التقليل الذي يشير إليه في الآية المبحوث عنها مقيد بقوله: (إذ التقيتم) وبذلك يرتفع التنافي كأن الله سبحانه أرى المؤمنين قليلا في أعين المشركين في بادئ الالتقاء ليستحقروا جمعهم ويشجعهم ذلك على القتال والنزال حتى إذا زحفوا
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»
الفهرست