تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٩
لمكان قوله فيها: (ان كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) فهي نازلة بعد الوقعة بزمان.
ثم الآيات الأخيرة تدل على أنهم كلموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمر الاسرى وسألوه ان لا يقتلهم ويأخذ الفدية وفيها عتابهم على ذلك ثم تجويز ان يأكلوا مما غنموا وكأنهم فهموا من ذلك انهم يملكون الغنائم والانفال على إبهام في امره: هل يملكه جميع من حضر الوقعة أو بعضهم كالمقاتلين دون القاعدين مثلا؟ وهل يملكون ذلك بالسوية فيقسم بينهم كذلك أو يختلفون فيه بالزيادة والنقيصة كأن يكون سهم الفرسان منها أزيد من المشاة أو نحو ذلك.
وكان ذلك سبب التخاصم بينهم فتشاجروا في الامر، ورفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت الآية الأولى: (قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) الآية فخطأتهم الآية فيما زعموا انهم مالكو الأنفال بما استفادوا من قوله:
(فكلوا مما غنمتم) الآية وأقرت ملك الأنفال لله والرسول ونهتهم عن التخاصم والتشاجر، فلما انقطع بذلك تخاصمهم ارجعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم وقسمتها بينهم بالسوية وعزل السهم لعدة من أصحابه لم يحضروا الوقعة ولم يقدم مقاتلا على قاعد، ولا فارسا على ماش ثم نزلت الآية الثانية: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه ) الآية بعد حين فأخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما رد إليهم من السهام الخمس وبقي لهم الباقي. هذا ما يتحصل من انضمام الآيات المربوطة بالانفال بعضها ببعض.
فقوله تعالى (يسألونك عن الأنفال) يفيد بما ينضم إليه من قرائن السياق انهم سألوا النبي صلى الله عليه وآله عن حكم غنائم الحرب بعد ما زعموا انهم يملكون الغنيمة، واختلفوا فيمن يملكها، أو في كيفية ملكها وانقسامها بينهم، أو فيهما معا، وتخاصموا في ذلك.
وقوله: (قل الأنفال لله والرسول) جواب عن مسألتهم وفيه بيان انهم لا يملكونها وإنما هي أنفال يملكها الله ورسوله فيوضع حيثما أراد الله ورسوله وقد قطع ذلك أصل ما نشب بينهم من الاختلاف والتخاصم.
ويظهر من هذا البيان ان الآية غير ناسخة لقوله تعالى: (فكلوا مما غنمتم)
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»
الفهرست