تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٤٠٢
فان قلت: فالآية لم تدل على قبول توبتهم وهذا مخالف للضرورة الثابتة من جهة النقل ان الآية نزلت في توبتهم.
قلت: القصة ثابتة نقلا غير أنها لا توجد دلالة في لفظ الآية إلا أن الآية تدل بسياقها على ذلك فقد قال تعالى في مقام الاجمال: (لقد تاب الله) وهو أعم باطلاقه من التوبة بمعنى التوفيق وبمعنى القبول، وكذا قوله بعد: (ان الله هو التواب الرحيم) وخاصة بالنظر إلى ما في الجملة من سياق الحصر الناظر إلى قوله: (وظنوا ان لا ملجا من الله إلا إليه) فإذا كانوا اقدموا على التوبة ليأخذوا ملجأ من الله يأمنون فيه وقد هداهم الله إليه بالتوبة فتابوا فمن المحال ان يردهم الله من بابه خائبين وهو التواب الرحيم، وكيف يستقيم ذلك؟ وهو القائل عز من قائل: (انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم) النساء: 17.
وربما قيل: إن معنى (ثم تاب عليهم ليتوبوا) ثم سهل الله عليهم التوبة ليتوبوا. وهو سخيف. وأسخف منه قول من قال: ان المراد بالتوبة في (ليتوبوا) الرجوع إلى حالتهم الأولى قبل المعصية. وأسخف منه قول آخرين: ان الضمير في (ليتوبوا) راجع إلى المؤمنين والمعنى ثم تاب على الثلاثة وأنزل توبتهم على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ليتوب المؤمنون من ذنوبهم لعلمهم بأن الله قابل التوب.
وخامسا: ان الظن يفيد في الآية مفاد العلم لا لدلالة لفظية بل لخصوص المورد.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) الصدق بحسب الأصل مطابقة القول والخبر للخارج، ويوصف به الانسان إذا طابق خبره الخارج ثم لما عد كل من الاعتقاد والعزم - الإرادة - قولا توسع في معنى الصدق فعد الانسان صادقا إذا طابق خبره الخارج وصادقا إذا عمل بما اعتقده وصادقا إذا اتى بما يريده ويعزم عليه على الجد.
وما في الآية من إطلاق الامر بالتقوى واطلاق الصادقين واطلاق الامر بالكون معهم - والمعية هي المصاحبة في العمل وهو الاتباع - يدل على أن المراد بالصدق هو معناه الوسيع العام دون الخاص.
فالآية تأمر المؤمنين بالتقوى واتباع الصادقين في أقوالهم وافعالهم وهو غير الامر بالاتصاف بصفتهم فإنه الكون منهم لا الكون معهم وهو ظاهر.
(٤٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 ... » »»
الفهرست