تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٩٨
معاند لله وإن كان مشركا فاستعطفه بوعد وعدها إياه فاستغفر له فلما تبين له أنه عدو لله معاند على شركه وضلاله تبرء منه.
وقوله: (إن إبراهيم لاواه حليم) تعليل لوعد إبراهيم واستغفاره لأبيه بأنه تحمل جفوة أبيه ووعده وعدا حسنا لكونه حليما واستغفر له لكونه أواها، والأواه هو الكثير التأوه خوفا من ربه وطمعا فيه.
قوله تعالى: (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إلى آخر الآيتين الآيتان متصلتان بالآيتين قبلهما المسوقتين للنهي عن الاستغفار للمشركين أما الآية الأولى أعني قوله: (وما كان الله ليضل) الخ ففيه تهديد للمؤمنين بالاضلال بعد الهداية إن لم يتقوا ما بين الله لهم ان يتقوه ويجتنبوا منه، وهو بحسب ما ينطبق على المورد ان المشركين أعداء لله لا يجوز الاستغفار لهم والتودد إليهم فعلى المؤمنين ان يتقوا ذلك وإلا فهو الضلال بعد الهدى، وعليك ان تذكر ما قدمناه في تفسير قوله تعالى: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشوني) المائدة: 3 في الجزء الخامس من الكتاب وفي تفسير آيات ولاية المشركين وأهل الكتاب الواقعة في السور المتقدمة.
والآية بوجه في معنى قوله تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمه أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الأنفال: 53 وما في معناه من الآيات، وهى جميعا تهتف بأن من السنة الإلهية ان تستمر على العبد نعمته وهدايته حتى يغير هو ما عنده بالكفران والتعدي فيسلب الله منه النعمة والهداية.
وأما الآية الثانية أعني قوله: (إن الله له ملك السماوات والأرض يحيى ويميت وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير) فذيلها بيان لعلة الحكم السابق المدلول عليه بالآية السابقة وهو النهى عن تولى أعداء الله أو وجوب التبري منهم إذ لا ولى ولا نصير حقيقة إلا الله سبحانه وقد بينه للمؤمنين فعليهم بدلالة من إيمانهم ان يقصروا التولي عليه تعالى أو من أذن في توليهم له من أوليائه وليس لهم ان تعتدوا ذلك إلى تولى أعدائه كائنين من كانوا.
وصدر الآية بيان لسبب هذا السبب وهو ان الله سبحانه هو الذي يملك كل شئ وبيده الموت والحياة فإليه تدبير كل أمر فهو الولي لا ولى غيره.
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»
الفهرست