تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٩٧
(السائحون) تبطل جودة الترتيب بين الصفات المنضودة.
وثالثا: أن هذه الصفات الشريفة هي التي يتم بها إيمان المؤمن المستوجب للوعد القطعي بالجنة المستتبع للبشارة الإلهية والنبوية وهى الملازمة للقيام بحق الله المستلزمة لقيام الله سبحانه بما جعله من الحق على نفسه.
قوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى) إلى آخر الآيتين، معنى الآية ظاهر غير أنه تعالى لما ذكر في الآية الثانية التي تبين سبب استغفار إبراهيم لأبيه مع كونه كافرا أنه تبرأ منه بعد ذلك لما تبين له أنه عدو لله، فدل ذلك على أن تبين كون المشركين أصحاب الجحيم إنما يرشد إلى عدم جواز الاستغفار لكونه ملازما لكونهم أعداء لله فإذا تبين للنبي والذين آمنوا أن المشركين أعداء لله كشف ذلك لهم عن حكم ضروري وهو عدم جواز الاستغفار لكونه لغوا لا يترتب عليه أثر وخضوع الايمان مانع أن يلغو العبد مع ساحة الكبرياء.
وذلك إنه تارة يفرض الله تعالى عدوا للعبد مبغضا له لتقصير من ناحيته وسوء من عمله فمن الجائز بالنظر إلى سعة رحمة الله أن يستغفر له ويسترحم إذا كان العبد متذللا غير مستكبر، وتارة يفرض العبد عدوا لله محاربا له مستكبرا مستعليا كأرباب الجحود والعناد من المشركين، والعقل الصريح حاكم بأنه لا ينفعه حينئذ شفاعة بمسألة أو استغفار إلا أن يتوب ويرجع إلى الله وينسلخ عن الاستكبار والعناد ويتلبس بلباس الذلة والمسكنة فلا معنى لسؤال الرحمة والمغفرة لمن يأبى عن القبول، ولا للاستعطاء لمن لا يخضع للاخذ والتناول إلا الهزؤ بمقام الربوبية واللعب بمقام العبودية وهو غير جائز بضرورة من حكم الفطرة.
وفي الآية نفى الجواز بنفي الحق بدليل قوله: (ما كان للنبي والذين آمنوا) أي ما كانوا يملكون الاستغفار بعد ما تبين لهم كذا وكذا، وقد تقدم في ذيل قوله تعالى: (ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله) الآية 17 من السورة ان حكم الجواز مسبوق في الشرع بجعل الحق.
والمعنى ان النبي والذين آمنوا بعد ما ظهر وتبين بتبيين الله لهم ان المشركين أعداء لله مخلدون في النار لم يكن لهم حق يملكون به ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى منهم، وأما استغفار إبراهيم لأبيه المشرك فإنه ظن أنه ليس بعدو
(٣٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»
الفهرست