تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣١٤
ومن هنا يظهر ان الآية لا تخلو عن اشعار بكون الأصناف الثمانية على سهمها من غير اختصاص بزمان دون زمان خلافا لما ذكره بعضهم: أن المؤلفة قلوبهم كانوا جماعة من الاشراف في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألف قلوبهم بإعطاء سهم من الصدقات إياهم، وأما بعده صلى الله عليه وآله وسلم فقد ظهر الاسلام على غيره، وارتفعت الحاجة إلى هذا النوع من التأليفات، وهو وجه فاسد وارتفاع الحاجة ممنوع.
قوله تعالى: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم) الاذن جارحة السمع المعروفة، وقد أطلقوا عليه صلى الله عليه وآله وسلم الاذن وسموه بها إشارة إلى أنه يصغى لكل ما قيل له ويستمع إلى كل ما يذكر له فهو أذن.
وقوله: (قل أذن خير لكم) من الإضافة الحقيقية أي سماع يسمع ما فيه خيركم حيث يسمع من الله سبحانه الوحي وفيه خير لكم، ويسمع من المؤمنين النصيحة وفيها خير لكم ويمكن ان يكون من إضافة الموصوف إلى الصفة أي أذن هي خير لكم لأنه لا يسمع إلا ما ينفعكم ولا يضركم.
والفرق بين الوجهين أن اللازم على الأول ان يكون مسموعه خيرا لهم كالوحي من الله والنصيحة من المؤمنين، واللازم على الثاني ان يكون استماعه استماع خير وإن لم يكن مسموعه خيرا كأن يستمع إلى بعض ما ليس خيرا لهم لكنه يستمع إليه فيحترم بذلك قائله ثم يحمل ذلك القول منه على الصحة فلا يهتك حرمته ولا يسئ الظن به ثم لا يرتب أثر الخبر الصادق المطابق للواقع عليه فلا يؤاخذ من قيل فيه بما قيل فيه فيكون قد احترم إيمانه كما احترم إيمان القائل الذي جاءه بالخبر.
ومن هنا يظهر أن الأنسب بسياق الآية هو الوجه الثاني لما عقبه بقوله: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) الآية.
وذلك أن الايمان هو التصديق، وقد ذكر متعلق الايمان في قوله: (يؤمن بالله) وأما قوله: (ويؤمن للمؤمنين) فلم يذكر متعلقه وإنما ذكر أن هذا التصديق لنفع المؤمنين لمكان اللام، والتصديق الذي يكون فيه نفع المؤمنين حتى في الخبر الذي يتضمن ما يضرهم إنما هو التصديق بمعنى إعطاء الصدق المخبري دون الخبري أي فرض أن المخبر
(٣١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 ... » »»
الفهرست