تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣١٥
صادق بمعنى أنه معتقد بصدق خبره وإن كان كاذبا لا يطابق الواقع.
وهذا كما في قوله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون: المنافقون: 1 فالله سبحانه يكذب المنافقين لا من حيث خبرهم برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل من حيث إخبارهم بخلاف ما يعتقدونه وهذا بخلاف قول المؤمنين فيما حكى الله سبحانه: (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله) الأحزاب: 22 فهم يصدقون الله ورسوله في الخبر لا في الاعتقاد.
وبالجملة ظاهر قوله: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) أنه يصدق الله فيما أخبره به من الوحي، ويصدق لنفع المؤمنين كل من ألقى إليه منهم خبرا بحمل فعله على الصحة وعدم رميه بالكذب وسوء النية من غير أن يرتب أثرا على كل ما يسمعه ويستمع إليه وإلا لم يكن تصديقه لنفع المؤمنين واختل الامر، وهذا المعنى كما ترى يؤيد الوجه الثاني المذكور.
وكأن المراد بالمؤمنين المجتمع المنسوب إليهم وإن اشتمل على أفراد من غيرهم كالمنافقين وعلى هذا كان المراد بالذين آمنوا منهم المؤمنون من قومهم حقا فمعنى الكلام أنه يصدق ربه ويصدق كل فرد من أفراد مجتمعكم احتراما لظاهر حاله من الانتساب إلى المؤمنين وهو رحمة للذين آمنوا منكم حقا لأنه يهديهم إلى مستقيم الصراط.
وإن كان المراد من الذين آمنوا هم الذين آمنوا في أول البعثة قبل الفتح - كما تقدم سابقا أن (الذين آمنوا) اسم تشريفي في القرآن للمؤمنين الأولين في الاسلام - كان المراد بالمؤمنين في قوله: (ويؤمن للمؤمنين) المؤمنون منهم حقا كما أطلق بهذا المعنى في قوله:
(ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله) الأحزاب: 22.
وربما قيل: إن اللام في قوله: (ويؤمن للمؤمنين) للتعدية كما في قوله: (يؤمن بالله) فالايمان يتعدى بالحرفين جميعا كما في قوله: (فآمن له لوط) العنكبوت: 26 وقوله: (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه) يونس: 83 وقوله: (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) الشعراء: 111.
وربما قيل: إن اللفظ جار على طريقة التضمين بتضمين الايمان معنى الجنوح المتعدى باللام والمعنى يجنح للمؤمنين مؤمنا بهم أو يؤمن جانحا لهم.
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»
الفهرست