تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٤٣
قوله: (حتى يعطوا الجزية عن يد) هو المعنى الأول فالمعنى حتى يعطوا الجزية متجاوزة عن يدهم إلى يدكم، وإن كان المراد هو المعنى الثاني فالمعنى: حتى يعطوا الجزية عن قدرة وسلطة لكم عليهم وهم صاغرون غير مستعلين عليكم ولا مستكبرين.
فمعنى الآية - والله أعلم - قاتلوا أهل الكتاب لانهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا مقبولا غير منحرف عن الصواب ولا يحرمون ما حرمه الاسلام مما يفسد اقترافه المجتمع الانساني ولا يدينون دينا منطبقا على الخلقة الإلهية قاتلوهم ودوموا على قتالهم حتى يصغروا عندكم ويخضعوا لحكومتكم، ويعطوا في ذلك عطية مالية مضروبة عليهم يمثل صغارهم، ويصرف في حفظ ذمتهم وحقن دمائهم وحاجة إدارة أمورهم.
قوله تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) إلى آخر الآية المضاهاة المشاكلة. والإفك على ما ذكره الراغب كل مصروف عن وجهه الذي يحق ان يكون عليه فمعنى (يؤفكون) يصرفون في اعتقادهم عن الحق إلى الباطل.
وقوله: (وقالت اليهود عزير ابن الله) عزير هذا هو الذي يسميه اليهود عزرا غيرت اللفظة عند التعريب كما غير لفظ (يسوع) فصار بالتعريب (عيسى) ولفظ (يوحنا) فصار كما قيل (يحيى).
وعزرا هذا هو الذي جدد دين اليهود وجمع أسفار التوراة وكتبها بعد ما افتقدت في غائلة بخت نصر ملك بابل الذي فتح بلادهم وخرب هيكلهم وأحرق كتبهم وقتل رجالهم وسبى نساءهم وذراريهم والباقين من ضعفائهم وسيرهم معه إلى بابل فبقوا هنالك ما يقرب من قرن ثم لما فتح (كورش) ملك إيران بابل شفع لهم عنده عزرا وكان ذا وجه عنده فأجاز له ان يعيد اليهود إلى بلادهم وأن يكتب لهم التوراة ثانيا بعد ما افتقدوا نسخها وكان ذلك في حدود سنة 457 قبل المسيح على ما ذكروا فراجت بينهم ثانيا ما جمعه عزرا من التوراة وإن كانوا افتقدوا أيضا في زمن أنتيوكس صاحب سورية الذي فتح بلادهم حدود سنة 161 ق م وتتبع مساكنهم فأحرق ما وجده من نسخ التوراة وقتل من وجدت عنده أو اخذت عليه على ما في كتب التاريخ.
ولما نالهم من خدمته عظموا قدره واحترموا امره وسموه ابن الله ولا ندري أكان دعاؤه بالبنوة بالمعنى الذي يسمى به النصارى المسيح ابن الله - والمراد ان فيه شيئا من جوهر الربوبية أو هو مشتق منه أو هو هو - أو انها تسمية تشريفية كما
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»
الفهرست