تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٤٢
وثانيا: أن قوله: (الذين لا يؤمنون بالله) إلى آخر الأوصاف الثلاثة مسوق لبيان الحكمة في الامر بقتالهم ويترتب عليه فائدة التحريض والتحضيض عليه.
وثالثا: أن المراد قتال أهل الكتاب جميعا لا بعضهم بجعل (من) في قوله:
(من الذين أوتوا الكتاب) للتبعيض.
قوله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) قال الراغب في المفردات:
الجزية ما يؤخذ من أهل الذمة، وتسميتها بذلك للاجتزاء بها في حقن دمهم. انتهى.
وفي المجمع: الجزية فعلة من جزى يجزى مثل العقدة والجلسة وهى عطية مخصوصة جزاء لهم على تمسكهم بالكفر عقوبة لهم. عن علي بن عيسى. انتهى.
والاعتماد على ما ذكره الراغب فإنه المتأيد بما ذكرناه آنفا أن هذه عطية مالية مصروفة في جهة حفظ ذمتهم وحقن دمائهم وحسن إدارتهم.
وقال الراغب أيضا: الصغر والكبر من الأسماء المتضادة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض فالشئ قد يكون صغيرا في جنب الشئ وكبيرا في جنب آخر - إلى أن قال - يقال: صغر صغرا - بالكسر فالفتح - في ضد الكبير وصغر صغرا وصغارا - بالفتحتين فيهما - في الذلة. والصاغر الراضي بالمنزلة الدنية: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) انتهى.
والاعتبار بما ذكر في صدر الآية من أوصافهم المقتضية لقتالهم ثم إعطاؤهم الجزية لحفظ ذمتهم يفيد أن يكون المراد بصغارهم خضوعهم للسنة الاسلامية والحكومة الدينية العادلة في المجتمع الاسلامي فلا يكافؤا المسلمين ولا يبارزوهم بشخصية مستقلة حرة في بث ما تهواه أنفسهم وإشاعة ما اختلقته هوساتهم من العقائد والأعمال المفسدة للمجتمع الانساني مع ما في إعطاء المال بأيديهم من الهوان.
فظاهر الآية أن هذا هو المراد من صغارهم لا إهانتهم والسخرية بهم من جانب المسلمين أو أولياء الحكومة الدينية فان هذا مما لا يحتمله السكينة والوقار الاسلامي وإن ذكر بعض المفسرين.
واليد: الجارحة من الانسان وتطلق على القدرة والنعمة فان كان المراد به في
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»
الفهرست