تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٥٦
الهداية على وجوه الناس، والتحفظ على حرية الناس في حياتهم وأعمالهم الحيوية، والاغماض في طريقة عن كل حكم حتمي وعزيمة قاطعة ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ولا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
وثامنا: أن الآية - كما قيل - تدل على أن الاعتقاد بأصل الدين يجب ان يكون عن علم يقيني لا يداخله شك ولا يمازجه ريب ولا يكفي فيه غيره ولو كان الظن الراجح، وقد ذم الله تعالى اتباع الظن، وندب إلى اتباع العلم في آيات كثيرة كقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) أسرى: 36 وقوله: (إن يتبعون إلا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا) النجم: 28 وقوله: (ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون) الزخرف: 20.
ولو كفى في أصل الدين الاعتقاد التقليدي لم يستقم الحكم بإجارة من استجار لتفهم أصول الدين ومعارفة لجواز ان يكلف بالتقليد والكف عن البحث عن انه حق أو باطل هذا.
ولكن المقدار الواجب في ذلك أن يكون عن علم قطعي سواء كان حاصلا عن الاستدلال بطرق فنية أو بغير ذلك من الوجوه المفيدة للعلم ولو على سبيل الاتفاق، وهذا غير القول بان الاستدلال على أصول المعارف لا يصح إلا من طريق العقل فان صحة الاستدلال أمر، وجواز الاعتماد على العلم باى طريق حصل أمر آخر.
قوله تعالى: (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله) الآية، تبيين وتوضيح لما مر إجمالا من الحكم بنقض عهد المشركين ممن لا وثوق بوفائه بعهده، وقتلهم إلى أن يؤمنوا بالله ويخضعوا لدين التوحيد، واستثناء من لم ينقض العهد وبقى على الميثاق حتى ينقضى مدة عهدهم.
فالآية وما يتلوها إلى تمام ست آيات تبين ذلك وتوضح الحكم واستثناء ما استثنى منه والغاية والمغيى جميعا.
فقوله: (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله) استفهام في مقام الانكار، وقد بادرت الآية إلى استثناء الذين عاهدوهم من المشركين عند المسجد الحرام لكونهم لم ينقضوا عهدا ولم يساهلوا فيما واثقوا به بدليل قوله تعالى: (فما استقاموا
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست