تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٥٥
وثالثا: أن المراد بكلام الله مطلق آيات القرآن الكريم، نعم يتقيد بما ينفع المستجير من الآيات التي توضح له أصول المعارف الإلهية ومعالم الدين والجواب عما يختلج في صدره من الشبهات كل ذلك بدلالة المقام والسياق.
وبذلك يظهر فساد ما قيل: إن المراد بكلام الله آيات التوحيد من القرآن، وكذا ما قيل إن المراد به سورة براءة أو خصوص ما بلغوه في الموسم من آيات صدر السورة فان ذلك كله تخصيص من غير مخصص.
ورابعا: أن المراد بسمع كلام الله الوقوف على أصول الدين ومعالمه وإن أمكن أن يقال: إن لاستماع نفس كلام الله فيما إذا كان المستجير عربيا يفهم الكلام الإلهي دخلا في ذلك أما إذا كان غير عربي ولا يفهم الكلام العربي فالمستفاد من السياق أن الغاية في حقه مجرد تفقه أصول الدين ومعالمه.
وخامسا أن الآية محكمة غير منسوخة ولا قابلة له لان من الضروري البين من مذاق الدين، وظواهر الكتاب والسنة ان لا مؤاخذة قبل تمام الحجة، ولا تشديد أي تشديد كان إلا بعد البيان فالجاهل السالك في سبيل الفحص أو المستعلم للحق المستفهم للحقيقة لا يرد خائبا ولا يؤخذ غافلا فعلى الاسلام والمسلمين ان يعطوا كل الأمان لمن استأمنهم ليستحضر معارف الدين ويستعلم أصول الدعوة حتى يتبعها إن لاحت له فيها لوائح الصدق، وهذا أصل لا يقبل بطلانا ولا تغييرا ما دام الاسلام إسلاما فالآية محكمة غير قابلة للنسخ إلى يوم القيامة.
ومن هنا يظهر فساد قول من قال: أن قوله: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) الآية منسوخة بالآية الآتية: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) الآية.
وسادسا: أن الآية إنما توجب إجارة المستجير إذا استجار لأمر ديني يرجى فيه خير الدين، واما مطلق الاستجارة لا لغرض ديني ولا نفع عائد إليه فلا دلالة لها عليه أصلا بل الآيات السابقة الامرة بالتشديد عليهم في محلها.
وسابعا: أن قوله في تتميم الامر بالإجارة: (ثم أبلغه مامنه) مع تمام قوله:
(فأجره حتى يسمع) بدونه في الدلالة على المقصد يدل على كمال العناية بفتح باب
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست