تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٥٠
ثم التفت سبحانه إلى المشركين ثانيا وذكرهم أنهم غير معجزين لله ليكونوا على بصيرة من أمرهم كما ذكرهم بذلك في الآية السابقة بقوله: (واعلموا انكم غير معجزى) الله وأن الله مخزي الكافرين) غير أنه زاد عليه في هذه الآية قوله: (فان تبتم فهو خير لكم) ليكون تصريحا بما لوح إليه في الآية السابقة فان التذكير بأنهم غير معجزى الله انما كان بمنزلة العظة وبذل النصح لهم لئلا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة باختيار البقاء على الشرك والتولي عن الدخول في دين التوحيد ففي الترديد تهديد ونصيحة وعظة.
ثم التفت سبحانه إلى رسوله فخاطبه ان يبشر الذين كفروا بعذاب أليم فقال:
(وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) والوجه في الالتفات الذي في قوله: (فان تبتم فهو خير لكم) الخ ما تقدم في قوله: (فسيحوا في الأرض) الخ، وفي الالتفات الذي في قوله:
(وبشر الذين كفروا) الخ أنه رسالة لا تتم إلا من جهة مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله تعالى: (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا) الخ، استثناء من عموم البراءة من المشركين، والمستثنون هم المشركون الذين لهم عهد لم ينقضوه لا مستقيما ولا غير مستقيم فمن الواجب الوفاء بميثاقهم وإتمام عهدهم إلى مدتهم.
وقد ظهر بذلك أن المراد من إضافة قولة: (ولم يظاهروا عليكم أحدا) إلى قوله:
(لم ينقصوكم شيئا) استيفاء قسمي النقض وهما النقض المستقيم كقتلهم بعض المسلمين، والنقض غير المستقيم نظير مظاهرتهم بعض أعداء المسلمين عليهم كإمداد مشركي مكة بنى بكر على خزاعة بالسلاح، وكانت بنو بكر في عهد قريش وخزاعة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحاربوا فأعانت قريش بنى بكر على خزاعة ونقضت بذلك عهد حديبية الذي عقدوه بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ذلك من أسباب فتح مكة سنة ثمان.
وقوله تعالى: (إن الله يحب المتقين) في مقام التعليل لوجوب الوفاء بالعهد ما لم ينقضه المعاهد المشرك، وذلك يجعل احترام العهد وحفظ الميثاق أحد مصاديق التقوى المطلق الذي لا يزال يأمر به القرآن وقد صرح به في نظائر هذا المورد كقوله تعالى:
(ولا يجر منكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة: 8 وقوله: (ولا يجر منكم شنآن قوم ان صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم العدوان واتقوا الله) المائدة: 2.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»
الفهرست