تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٣٥
ولو صحت الروايات لكان التأمل فيها قاضيا بتوسع عجيب في نقل الحديث بالمعنى حتى ربما اختلفت الروايات كالاخبار المتعارضة.
فاختلفت التفاسير بحسب اختلافها فمن ظاهر في أن العتاب والتهديد متوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين جميعا، أو إلى النبي والمؤمنين ما عدا عمر، أو ما عدا عمر وسعد بن معاذ، أو إلى المؤمنين دون النبي أو إلى شخص أو اشخاص أشاروا إليه بالفداء بعد ما استشارهم.
ومن قال: ان العتاب انما هو على اخذهم الفداء، أو على استحلالهم الغنيمة قبل الإباحة من جانب الله، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يشاركهم في ذلك لما انه بدأ باستشارتهم مع أن القوم انما اخذوا الفداء بعد نزول الآيات لا قبله حتى يعاتبوا عليه، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أجل من أن يجوز في حقه استحلال شئ قبل ان يأذن الله له فيه ويوحى بذلك إليه، وحاشا ساحة الحق سبحانه ان يهدد نبيه بعذاب عظيم ليس من شأنه ان ينزل عليه من غير جرم أجرمه وقد عصمه من المعاصي، والعذاب العظيم ليس ينزل إلا على جرم عظيم لا كما قيل: ان المراد به الصغائر.
فالذي ينبغي ان يقال: ان قوله تعالى: (ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الأرض) ان السنة الجارية في الأنبياء الماضين عليهما السلام انهم كانوا إذا حاربوا أعداءهم وظفروا بهم ينكلونهم بالقتل ليعتبر به من وراءهم فيكفوا عن محادة الله ورسوله، وكانوا يأخذون اسرى حتى يثخنوا في الأرض، ويستقر دينهم بين الناس فلا مانع بعد ذلك من الأسر ثم المن أو الفداء كما قال تعالى فيما يوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما علا أمر الاسلام واستقر في الحجاز واليمن: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء) سورة محمد: 4.
والعتاب على ما يهدى إليه سياق الكلام في الآية الأولى إنما هو على اخذهم الاسرى كما يشهد به أيضا قوله في الآية الثانية: (لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) أي في أخذكم وإنما كانوا اخذوا عند نزول الآيات الاسرى دون الفداء وليس العتاب على استباحة الفداء أو اخذه كما احتمل.
بل يشهد قوله في الآية التالية: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله ان الله
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست