تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٣٦
غفور رحيم) - حيث افتتحت بفاء التفريع التي تفرع معناها على ما تقدمها -:
على أن المراد بالغنيمة ما يعم الفداء، وأنهم اقترحوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان لا يقتل الاسرى ويأخذ منهم الفداء كما سألوه عن الأنفال أو سألوه ان يعطيهموها كما في آية صدر السورة وكيف يتصور ان يسألوه الأنفال، ولا يسألوه ان يأخذ الفداء وقد كان الفداء المأخوذ - على ما في الروايات - يقرب من مائتين وثمانين ألف درهم؟
فقد كانوا سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يعطيهم الغنائم، ويأخذ لهم منهم الفداء فعاتبهم الله من رأس على اخذهم الاسرى ثم أباح لهم ما اخذوا الاسرى لأجله وهو الفداء لا لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم شاركهم في استباحة الفداء واستشارهم في الفداء والقتل حتى يشاركهم في العتاب المتوجه إليهم.
ومن الدليل من لفظ الآية على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يشاركهم في العتاب أن العتاب في الآية متعلق بأخذ الاسرى وليس فيها ما يشعر بأنه استشارهم فيه أو رضى بذلك ولم يرد في شئ من الآثار أنه صلى الله عليه وآله وسلم وصاهم بأخذ الاسرى ولا قال قولا يشعر بالرضا بذلك بل كان ذلك مما أقدمت عليه عامة المهاجرين والأنصار على قاعدتهم في الحروب إذا ظفروا بعدوهم أخذوا الاسرى للاسترقاق أو الفداء فقد ورد في الآثار أنهم بالغوا في الأسر وكان الرجل يقى أسيره ان يناله الناس بسوء إلا علي عليه السلام فقد أكثر من قتل الرجال ولم يأخذ أسيرا.
فمعنى الآيات: (ما كان لنبي) ولم يعهد في سنة الله في أنبيائه (أن يكون له أسرى) ويحق له ان يأخذهم ويستدر على ذلك شيئا (حتى يثخن) ويغلظ (في الأرض) ويستقر دينه بين الناس (تريدون) أنتم معاشر أهل بدر - وخطاب الجميع بهذا العموم المشتمل على عتاب الجميع لكون أكثرهم متلبسين باقتراح الفداء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم - (عرض الدنيا) ومتاعها السريع الزوال (والله يريد الآخرة) بتشريع الدين والامر بقتال الكفار، ثم في هذه السنة التي أخبر بها في كلامه، (والله عزيز) لا يغلب (حكيم) لا يلغو في أحكامه المتقنة.
(ولولا كتاب من الله سبق) يقتضى ان لا يعذبكم ولا يهلككم، وإنما أبهم لان الابهام أنسب في مقام المعاتبة ليذهب ذهن السامع كل مذهب ممكن، ولا يتعين له فيهون عنده أمره (لمسكم فيما أخذتم) أي في أخذكم الاسرى فإن الفداء والغنيمة لم
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»
الفهرست