تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٨٢
إلا تقييدا أو تخصيصا، أو كاشفة إن فسر بما يعم فعل الحسنات وترك السيئات، وحمل الذين يؤمنون إلى آخره على ما يساويه، والتقوى بهذا المعنى بعينه هي المرتبة الثانية من مراتبه، وهي حقيقة معناه عند الجمهور. وأما إذا أريد بها المرتبة الثالثة التي لا يتحقق بها إلا الخواص، فيمكن أن تكون أيضا صفة كاشفة، يظهر وجهه للمتأمل الصادق فيما سيأتي من بعض بطون الآية. أو مادحة ذكرت لمجرد المدح والثناء، وتخصيص ما ذكر إظهارا لفضله على سائر ما يدخل تحت اسم التقوى.
وقد فرق بين المدح صفة والمدح اختصاصا، بأن الوصف في الأول أصل والمدح تبع، وفي الثاني بالعكس. وبأن المقصود الأصلي من الأول إظهار كمال الممدوح والاستلذاذ بذكره، ومن الثاني إظهار أن تلك الصفة أحق باستقلال المدح من باقي صفاته الكمالية، إما مطلقا أو بحسب ذلك المقام.
والايمان: إفعال من الامن من المتعدي إلى مفعول واحد، والهمزة للتعدية إلى مفعولين، تقول: أمنت عمروا وأمننيه زيد، أي جعلني آمنا منه. وقيل: الهمزة للصيرورة نحو أعشب المكان، بمعنى صار ذا عشب، فمعنى أمن، صار ذا أمن. وقيل:
المطاوعة نحو كبه فأكبه، أي أمنه فأمن، ثم نقل إلى التصديق ووضع له لغة، ثم إنك إذا صدقت زيدا فقد اعترفت بكلامه فعدي بالباء على تضمين معنى الاعتراف.
وفي عرف الشرع: هو التصديق بما علم بالضرورة من دين محمد (صلى الله عليه وآله) كالتوحيد والنبوة والإمامة والبعث والجزاء كما هو ظاهر.
وقيل: مجموع ثلاثة أمور، اعتقاد الحق، والاقرار به، والعمل بمقتضاه، وهذا مذهب المعتزلة والخوارج، فمن أخل بالاعتقاد وحده فهو منافق، ومن أخل بالاقرار فكافر، ومن أخل بالعمل ففاسق وفاقا، وكافر عند الخوارج، خارج من الايمان غير داخل في الكفر عند المعتزلة.
واختلف القائلون بأن الايمان هو التصديق وحده، في أن مجرد التصديق بالقلب هل هو كاف في المقصود، أو لابد من انضمام الاقرار للمتمكن منه؟ ولعل الحق هو الثاني لأنه تعالى ذم المعاند أكثر من ذم الجاهل المقصر. وللمانع أن يجعل الذم
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»
الفهرست