تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٦٦
تشب لمقرورين يصطليانها * وبات على النار الندى والمحلق رضيعي لبان ثدي أم تواضعا * بأسحم داج عوض لا نتفرق) قائله الأعشى. في سورة طه عند قوله تعالى (أو أجد على النار هدى) فإن معنى الاستعلاء على النار أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها، كما قال سيبويه في مررت بزيد إنه لصوق بمكان يقرب من زيد، أو لأن المصطلين بها المستمتعين إذا تكنفوها قياما وقعودا كانوا مشرفين عليها فهو استعلاء مجازي، ومنه:
* وبات على النار الندى والمحلق * وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة ص عند قوله تعالى (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق) قال في الكشاف: إن قلت: هل من فرق بين يسبحن ومسبحات؟ قلت: نعم، وما اختير يسبحن على مسبحات إلا لذلك، وهو الدلالة على حدوث التسبيح من الجبال شيئا بعد شئ وحالا بعد حال، ومثله قول الأعشى * إلى ضوء نار في يفاع تحرق * ولو قال محرقة لم يكن شيئا. وقوله (محشورة) في مقابل يسبحن لأنه لم يكن في الحشر ما كان في التسبيح من إرادة الدلالة على الحدوث شيئا بعد شئ. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة البروج عند قوله تعالى (إذ هم عليها قعود) أي على ما يدنو منها من حافات الأخدود كقوله: وبات على النار الخ، وكما تقول: مررت عليه، تريد مستعليا لمكان يدنو منه. والمحلق بكسر اللام: سمى بذلك لأن بعيره عضه في وجهه فبقى أثر العضة مثل الحلقة، وهو رجل فقير من بني عكاظ خامل الذكر كان له عشر بنات لا يرغب فيهن أحد لفقرهن ففارق حي عكاظ، وانعزل عنهم إلى بعض المهامه والبراري لأنفة نفسه، فنزل به الأعشى ذات ليلة فأحسن قراه وأكرم مثواه ونحر له ناقة لم يكن عنده غيرها، فوقع سخاؤه من الأعشى موقعا جليلا، فلما أصبح الأعشى واستوى على راحلته قال له: ألك حاجة؟ قال: نعم، قال:
فما هي؟ قال: إني أريد أن تسير بذكري في بني عكاظ وبين العرب لعلي أشتهر ويرغب في بناتي أحد فقد مسهن العنس، فتوجه الأعشى إلى عكاظ ومدحه بقصيدة طويلة، ذكر فيها مكارم أخلاق المحلق ومحاسن شيمة، واستمال قلوب أهل عكاظ إلى مواصلته وإخائه، فلم يمض إلا قليل حتى خطب إليه جميع بناته، ومطلع القصيدة المذكورة:
أرقت وما هذا السهاد المؤرق * وما بي من سقم وما بي تعشق ولكن أراني لا أزال بحادث * أغادي بما لم أمس عندي وأطرق ومنها البيت المشهور:
تريك القذى من دونها وهي دونه * إذا ذاقها من ذاقها يتمطق ومنها: تشب لمقرورين يصطليانها * وبات على النار الندى والمحلق ومنها: يداك يدا صدق فكف مفيدة * وكف إذا ما ضن بالمال تنفق قوله أرقت: الأرق هو السهر، وقيل هو السهر أول الليل خاصة. ولاحت: نظرت وتشوفت. واليفاع من الأرض: المشرف. وتشب بضم التاء وفتح الشين: توقد وتشعل. والمقرور: الذي أصابه القرة بكسر القاف وهو البرد. يصطليانها: أي يسخنان بها. والندى: الكرم. والمحلق: اسم الممدوح وما أحسن عطفه على الندى إيماء على أنهما متصاحبان متشاركان في الألفة حتى كأنهما من جنس واحد، وأثبت في البيت الثالث لهما الأخوة المقتضية للإلتئام والانضمام حيث قال: رضيعي لبان، وهو حال منهما: أي رضيعي ثدي أم واحدة، واللبان
(٤٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 471 ... » »»
الفهرست