تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٦٢
(تريك القذى من دونها وهي دونه * إذا ذاقها من ذاقها يتمطق) في سورة البقرة عند قوله تعالى (وادعوا شهداءكم من دون الله) ومعنى دون أدنى مكان من الشئ وجاء ههنا بمعنى القدام، وقال يصف زجاجة فيها خمر: أي قدامها، وزاد القائل في وصف رقة الزجاجة صفاء الخمر كما قيل:
رق الزجاج وراقت الخمر * فتشابها وتشاكل الأمر فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر وفي معناه: تخفى الزجاجة لونها فكأنها * في الكف قائمة بغير إناء (كأن عيني في غربي مقتلة * من النواضح تسقى جنة سحقا) في سورة البقرة عند قوله تعالى (أن لهم جنات) وسمى الشجر المظلل بالجنة لالتفاف أغصانه للمبالغة كأنه يستر ما تحته سترة واحدة، والبيت لزهير. شبه عينه في تذارف الدموع بالغرب: وهي الدلو العظيمة. والمقتل من الدواب: الذي ذل ومرن على العمل. والناضح: الجمل الذي يسقى عليه، وتسقى جنة سحقا: أي نخلا طوالا، وإنما خص النواضح المذللة لأنها تخرج الغرب وتنزعها من البئر ملأى، بخلاف الصعبة لأنها تنفر فيسيل الماء من نواحي الغرب وزيادة. سحقا: أي طوالا في السماء وبعادا عن محل الاستقاء فتحتاج إلى ماء أكثر، وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الشعراء عند قوله تعالى (في جنات وعيون وزروع ونخل). قال الزمخشري: إن قلت لم قال ونخل بعد قوله في جنات والجنة تتناول النخل أول شئ كما يتناول النعم الإبل كذلك من بين الأزواج حتى إنهم يذكرون الجنة ولا يريدون إلا النخيل كما يذكرون النعم ولا يريدون إلا الإبل كما في قول زهير تسقى جنة سحقا؟ قلت: فيه وجهان: أن يخص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر تنبيها على انفراده عنها بفضله عليها، وأن يريد بالجنات غيرها من الشجر لأن اللفظ يصلح لذلك ثم يعطف عليها النخل.
(فيها خطوط من سواد وبلق * كأنه في الجلد توليع البهق) هو لرؤبة. في سورة البقرة عند قوله تعالى (عوان بين ذلك) فإن بين يقتضي شيئين فصاعدا، وإنما جاز ذلك لأن أسماء الإشارة تثنيتها وجمعها ليست على الحقيقة ولذلك جاء الذي بمعنى الجمع. قال أبو عبيدة: قلت:
لرؤبة: إن أردت الخطوط فقل كأنها، وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما، فقال: أردت كأن ذاك، وقد أجرى الضمير مجرى أسماء الإشارة، وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة النساء عند قوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا) حيث كان الضمير في منه جاريا مجرى اسم الإشارة كأنه قيل عن شئ من ذلك كما قال تعالى (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) بعد ذكر الشهوات، أو يرجع الضمير إلى ما في معنى الصدقات وهو الصداق. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة يس عند قوله تعالى (ليأكلوا من ثمره) على تقدير رجوع الضمير إلى النخيل وتترك الأعناب غير مرجوع إليها لأنه علم أنها في حكم النخيل فيما علق به من أكل ثماره، ويجوز أن يراد من ثمر المذكور وهو الجنات كما في قول رؤبة: فيها خطوط الخ. فقيل له فقال:
أردت كأن ذاك. ويجوز أن يرجع الضمير لله تعالى، والمعنى: ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر وأصله من ثمرنا، كما قال: وجعلنا وفجرنا، فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريقة الالتفات.
(إذا قالت الأنساع للبطن الحق) تمامه: * قدوما فأحنت كالفنيق المحنق *
(٤٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 ... » »»
الفهرست