إملاء ما من به الرحمن - أبو البقاء العكبري - ج ١ - الصفحة ١٥٩
تقديره: نافعا أو نحو ذلك، وفى " ما " وجهان: أحدهما هي بمعنى الذي، والثاني مصدرية، ولا يجوز أن تكون كافة ولا زائدة، إذ لو كان كذلك لانتصب خير بنملى، واحتاجت أن إلى خبر إذا كانت ما زائدة أو قدر الفعل يليها، وكلاهما ممتنع وقد قرئ شاذا بالنصب على أن يكون لأنفسهم خبر إن، ولهم تبيين أو حال من خير، وقد قرئ في الشاذ بكسر إن وهو جواب قسم محذوف، والقسم وجوابه يسدان مسد المفعولين، وقرأ حمزة " تحسبن " بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم الذين كفروا المفعول الأول، وفي المفعول الثاني وجهان: أحدهما الجملة من أن وما عملت فيه، والثاني أن المفعول الأول محذوف أقيم المضاف إليه مقامه، والتقدير: ولا تحسبن إملاء الذين كفروا، وقوله " أنما نملي لهم " بدل من المضاف المحذوف، والجملة سدت مسد المفعولين، والتقدير: ولا تحسبن أن إملاء الذين كفروا خير لأنفسهم، ويجوز أن تجعل أن وما عملت فيه بدلا من الذين كفروا بدل الاشتمال، والجملة سدت مسد المفعولين (أنما نملي لهم ليزدادوا) مستأنف وقيل أنما نملي لهم تكرير للأول، وليزدادوا هو المفعول الثاني لتحسب على قراءة التاء، والتقدير: ولا تحسبن يا محمد إملاء الذين كفروا خيرا ليزدادوا إيمانا بل ليزدادوا إثما، ويروى عن بعض الصحابة أنه قرأه كذلك.
قوله تعالى (ما كان الله ليذر) خبر كان محذوف تقديره ما كان الله مريدا لأن يذر، ولا يجوز أن يكون الخبر ليذر لأن الفعل بعد اللام ينتصب بأن فيصير التقدير: ما كان الله ليترك المؤمنين على ما أنتم عليه، وخبر كان هو اسمها في المعنى، وليس الترك هو الله تعالى، وقال الكوفيون اللام زائدة والخبر هو الفعل وهذا ضعيف لأن ما بعدها قد انتصب، فإن كان النصب باللام نفسها فليست زائدة، وإن كان النصب بأن فسد لما ذكرنا، وأصل يذر يوذر، فحذفت الواو تشبيها لها بيدع لأنها في معناها، وليس لحذف الواو في يذر علة إذا لم تقع بين ياء وكسرة ولا ما هو في تقديره الكسرة، بخلاف يدع فإن الأصل يودع، فحذفت الواو لوقوعها بين الياء وبين ما هو في تقدير الكسرة، إذ الأصل يودع مثل يوعد، وإنما فتحت الدال من يدع، لأن لامه حرف حلقي فيفتح له ما قبله، ومثله يسع ويطأ ويقع ونحو ذلك، ولم يستعمل من يذر ماضيا اكتفاء بترك (يميز) يقرأ بسكون الياء وماضيه ماز، وبتشديدها وماضيه ميز، وهما بمعنى واحد، وليس التشديد لتعدى الفعل مثل فرح وفرحته، لأن ماز وميز يتعديان إلى مفعول واحد.
(١٥٩)
مفاتيح البحث: الجواز (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»
الفهرست