إملاء ما من به الرحمن - أبو البقاء العكبري - ج ١ - الصفحة ١٦٢
للأول وحسن لما طال الكلام المتصل بالأول، والفاء زائدة فليست للعطف ولا للجواب. وقال بعضهم (بمفازة) هو مفعول حسب الأول، ومفعوله الثاني محذوف دل عليه مفعول حسب الثاني، لأن التقدير: لا يحسبن الذين يفرحون أنفسهم بمفازة وهم في فلا يحسبنهم هو أنفسهم: أي فلا يحسبن أنفسهم، وأغنى بمفازة الذي هو مفعول الأول عن ذكره ثانيا لحسب الثاني، وهذا وجه ضعيف متعسف عنه مندوحة بما ذكرنا في الوجه الأول. ويقرأ بالتاء فيهما على الخطاب، وبفتح الباء منهما والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والقول فيه أن الذين يفرحون هو المفعول الأول، والثاني محذوف لدلالة مفعول حسب الثاني عليه، وقيل التقدير: لا تحسبن الذين يفرحون بمفازة، وأغنى المفعول الثاني هنا عن ذكره لحسب الثاني. وحسب الثاني مكرر أو بدل لما ذكرنا في القراءة بالياء فيهما، لأن الفاعل فيهما واحد أيضا وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ويقرأ بالياء في الأول، وبالتاء في الثاني، ثم في التاء في الفعل الثاني وجهان: أحدهما الفتح على أنه خطاب لواحد، والضم على أنه لجماعة، وعلى هذا يكون مفعولا الفعل الأول محذوفين لدلالة مفعولي الثاني عليهما، والفاء زائدة أيضا، والفعل الثاني ليس ببدل ولا مكرر، لأن فاعله غير فاعل الأول والمفازة مفعلة من الفوز، و (من العذاب) متعلق بمحذوف لأنه صفة للمفازة، لأن المفازة مكان والمكان لا يعمل، ويجوز أن تكون المفازة مصدرا فتتعلق من به، ويكون التقدير: فلا تحسبنهم فائزين، فالمصدر في موضع اسم الفاعل.
قوله تعالى (الذين يذكرون الله) في موضع جر نعتا لأولى، أو في موضع نصب بإضمار أعنى أو رفع على إضمارهم، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره: يقولون ربنا (قياما وقعودا) حالان من ضمير الفاعل في يذكرون (وعلى جنوبهم) حال أيضا، وحرف الجر يتعلق بمحذوف هو الحال في الأصل تقديره: ومضطجعين على جنوبهم (ويتفكرون) معطوف على يذكرون، ويجوز أن يكون حالا أيضا: أي يذكرون الله متفكرين (باطلا) مفعول من أجله، والباطل هنا فاعل بمعنى المصدر مثل العاقبة والعافية، والمعنى ما خلقتهما عبثا، ويجوز أن يكون حالا تقديره ما خلقت هذا خاليا عن حكمة، ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف: أي خلقا باطلا.
فإن قيل: كيف قال هذا والسابق ذكر السماوات والأرض والإشارة إليها بهذه؟
ففي ذلك ثلاثة أوجه: أحدها أن الإشارة إلى الخلق المذكور في قوله " خلق السماوات "
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»
الفهرست