الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٣٠١
ومن شر النفاثات في العقد. ومن شر حاسد إذا حسد.
____________________
دخول ظلامه في كل شئ، ويقال وقبت الشمس إذا غابت، وفي الحديث " لما رأى الشمس قد وقبت قال:
هذا حين حلها " يعني صلاة المغرب، وقيل هو القمر إذا امتلأ. وعن عائشة رضي الله عنها " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأشار إلى القمر فقال: تعوذي بالله من شر هذا فإنه الغاسق إذا وقب " ووقوبه دخوله في الكسوف واسوداده " ويجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات ووقبه ضربه ونقبه والوقب النقب، ومنه وقبة الثريد، والتعوذ من شر الليل لأن انبثاثه فيه أكثر والتحرز فيه أصعب، ومنه قولهم: الليل أخفى للويل، وقوله: أغدر الليل لأنه إذا أظلم كثر فيه الغدر، وأسند الشر إليه لملابسته له من حدوثه فيه (النفاثات) النساء أو النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها ويرقين، والنفث: النفخ مع ريق، ولا تأثير لذلك اللهم إلا إذا كان ثم إطعام شئ ضار أو سقيه أو إشمامه أو مباشرة المسحور به على بعض الوجوه، ولكن الله عز وجل قد يفعل عند ذلك فعلا على سبيل الامتحان الذي يتميز به الثبت على الحق من الحشوية والجهلة من العوام فينسبه الحشو والرعاع إليهن وإلى نفثهن، والثابتون بالقول الثابت لا يلتفتون إلى ذلك ولا يعبئون به.
فإن قلت: فما معنى الاستعاذة من شرهن؟ قلت: فيها ثلاثة أوجه: أحدها أن يستعاذ من عملهن الذي هو صنعة السحر ومن إثمهن في ذلك. والثاني أن يستعاذ من فتنتهن الناس بسحرهن وما يخدعهم به من باطلهن. والثالث أن يستعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهن، ويجوز أن يراد بهن النساء الكيادات من قوله - إن كيدهن عظيم - تشبيها لكيدهن بالسحر والنفث في العقد، أو اللاتي يفتن الرجال بتعرضهن لهم وعرضهن محاسنهن كأنهم يسحرنهم بذلك (إذا حسد) إذا ظهر حسده وعمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود، لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره فلا ضرر يعود منه على من حسده بل هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره. وعن عمر بن عبد العزيز: لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من حاسد، ويجوز أن يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهاره أثره. فإن قلت:
قوله - من شر ما خلق - تعميم في كل ما يستعاذ منه فما معنى الاستعاذة بعده من الغاسق والنفاثات والحاسد؟ قلت:
قد خص شر هؤلاء من كل شر لخفاء أمره وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم كأنما يغتال به، وقالوا: شر العداة المداجي الذي يكيدك من حيث لا تشعر. فإن قلت: فلم عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه؟ قلت: عرفت النفاثات لأن كل نفاثة شريرة، ونكر غاسق لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضر، ورب حسد محمود وهو الحسد في الخيرات، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " لا حسد
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 307 308 ... » »»