الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٩٩
ولم يكن له كفؤا أحد.
____________________
لكونه واقعا على غاية إحكام واتساق وانتظام وفي ذلك وصفه بأنه حي سميع بصير، وقوله - أحد - وصف بالوحدانية ونفي الشركاء، وقوله - الصمد - وصف بأنه ليس إلا محتاجا إليه، وإذا لم يكن إلا محتاجا إليه فهو غني، وفي كونه غنيا مع كونه عالما أنه عدل غير فاعل للقبائح لعلمه بقبح القبيح وعلمه بغناه عنه، وقوله - لم يولد - وصف بالقدم والأولية، وقوله - لم يلد - نفي للشبه والمجانسة، وقوله - ولم يكن له كفؤا أحدا - تقرير لذلك وبت للحكم به. فإن قلت: الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه، فما باله مقدما في أفصح كلام وأعربه؟ قلت: هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو وهذا الظرف، فكان لذلك أهم شئ وأعناه وأحقه بالتقدم وأحراه.
وقرئ كفؤا بضم الكاف والفاء وبضم الكاف وكسرها مع سكون الفاء. فإن قلت: لم كانت هذه السورة عدل القرآن كله على قصر متنها وتقارب طرفيها؟ قلت: لأمر ما يسود من يسود وما ذاك إلا لاحتوائها على صفات الله تعالى وعدله وتوحيده، وكفى دليلا من اعترف بفضلها وصدق بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها إن علم التوحيد من الله تعابي بمكان، وكيف لا يكون كذلك والعلم تابع للمعلوم يشرف بشرفه ويتضع بضعته، ومعلوم هذ العلم هو الله تعالى وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز، فما ظنك بشرف منزلته وجلالة محله وإنافته على كل علم واستيلائه على قصب السبق دونه، ومن ازدراه فلضعف علمه بمعلومه وقلة تعظيمه له وخلوه من خشيته وبعده من النظر لعاقبته.
اللهم احشرنا في زمرة العالمين بك العاملين لك القائلين بعدلك وتوحيدك الخائفين من وعيدك، وتسمى سورة الأساس لاشتمالها على أصول الدين. وروى أبي وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم " أسست السماوات السبع والأرضون السبع على قل هو الله أحد " يعني ما خلقت إلا لتكون دلائل على توحيد الله ومعرفة صفاته التي نطقت بها هذه السورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه سمع رجلا يقرأ قل هو أحد فقال: وجبت، قيل يا رسول الله وما وجبت؟ قال: وجبت له الجنة ".
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»