الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٩٧
سيصلى نارا ذات لهب. وامرأته حمالة الحطب. في جيدها حبل من مسد.
____________________
(سيصلى) قرئ بفتح الياء وبضمها مخففا ومشددا والسين للوعيد: أي هو كائن لا محالة وإن تراخى وقته (وامرأته) هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل كانت تمشي بالنميمة، ويقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس: يحمل الحطب بينهم: أي يوقد بينهم النائرة ويورث الشر، قال:
من البيض لم تصطد على ظهر لأمة * ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب جعله رطبا ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشر، ورفعت عطفا على الضمير في سيصلى: أي سيصلى هو وامرأته، و (في جيدها) في موضع الحال أو على الابتداء وفي جيدها الخبر. وقرئ حمالة الحطب بالنصب على الشتم وأنا أستحب هذه القراءة، وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل.
وقرئ حمالة للحطب وحمالة للحطب بالتنوين والرفع والنصب، وقرئ ومريته بالتصغير. والمسد: الذي فتل من الحبال فتلا شديدا من ليف كان أو جلد أو غيرهما، قال * ومسد أمر من أيانق * ورجل ممسود الخلق مجدوله، والمعنى: في جيدها حبل مما مسد من الحبال، وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون تخسيسا لحالها وتحقيرا لها وتصويرا لها بصورة بعض الحطابات من المواهن لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها وهما في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدة، ولقد عير بعض الناس الفضل بن العباس بن عتبة ابن أبي لهب بحمالة الحطب فقال:
ما ذا أردت إلى شتمي ومنقصتي * أم ما تعير من حمالة الحطب غراء شادخة في المجد غرتها * كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب ويحتمل أن يكون المعنى: أن حالها تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك، فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم أو من الضريع، وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار، كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة ".
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»