الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٦
يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكى من يشاء والله سميع عليم. ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم. إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم.
____________________
* ضرائر حرمي تفاحش غارها * أي أفرطت غيرتها. والمنكر: ما تنكره النفوس فتنفر عنه ولا ترتضيه.
وقرئ خطوات بفتح الطاء وسكونها وزكى بالتشديد والضمير لله تعالى، ولولا أن الله تفضل عليكم بالتوبة الممحصة لما طهر منكم أحد آخر الدهر من دنس إثم الإفك،، ولكن الله يطهر التائبين بقبول توبتهم إذا محضوها وهو (سميع) لقولهم (عليم) بضمائرهم وإخلاصهم. هو من ائتلى إذا حلف افتعال من الالية، وقيل من قولهم ما ألوت جهدا إذا لم تدخر منه شيئا، ويشهد للأول قراءة الحسن ولا يتأل، والمعنى: لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للإحسان، أو لا يقصروا في أن يحسنوا إليهم، وإن كانت بينهم وبينهم شحناء لجناية اقترفوها، فليعودوا عليهم بالعفو والصفح، وليفعلوا بهم مثل ما يرجون أن يفعل ربهم مع كثرة خطاياهم وذنوبهم. نزلت في شأن مسطح، وكان ابن خالة أبى بكر الصديق رضي الله عنهما، وكان فقيرا من فقراء المهاجرين، وكان أبو بكر ينفق عليه، فلما فرط منه ما فرط آلى أن لا ينفق عليه وكفى به داعيا إلى المجاملة وترك الاشتغال بالمكافأة للمسئ. ويروى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها على أبى بكر فقال: بل أحب أن يغفر الله لي، ورجع إلى مسطح نفقته وقال: والله لا أنزعها أبدا " وقرأ أبو حياة وابن قطيب أن تؤتوا بالتاء على الالتفات ويعضده قوله - ألا تحبون أن يغفر الله لكم - (الغافلات) السليمات الصدور والنقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم يجربن الأمور ولم يرزن الأحوال فلا يفطن لما تفطن له المجربات العرافات قال:
ولقد لهوت بطفلة ميالة * بلهاء تطلعني على أسرارها وكذلك البله من الرجال في قوله عليه الصلاة والسلام " أكثر أهل الجنة البله ". وقرئ يشهد بالياء. والحق بالنصب صفة للدين وهو الجزاء وبالرفع صفة لله، ولو فليت القرآن كله وفتشت عما أوعد به العصاة لم تر الله تعالى قد غلظ في شئ تغليظه في إفك عائشة رضوان الله عليها ولا أنزل من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد والعتاب البليغ والزجر العنيف واستعظام ما ركب من ذلك واستفظاع ما أقدم عليه ما أنزل فيه على طرق مختلفة وأساليب مفتنة كل واحد منها كاف في بابه، ولو لم ينزل إلا هذه الثلاث لكفى بها حيث جعل القذفة ملعونين
(٥٦)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)، الوسعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»