الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٥
ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين. ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم.
إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون. ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم.
____________________
منزلة أنفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها فلذلك يتسع فيها مالا يتسع في غيرها. فإن قلت: فأي فائدة في تقديم الظرف حتى أوقع فاصلا؟ قلت: الفائدة في بيان أنه كان الواجب عليهم أن يتفادوا أول ما سمعوا بالإفك عن المتكلم به، فلما كان ذكر الوقت أهم وجب التقديم. فإن قلت: فما معنى يكون والكلام بدونه متلئب لو قيل مالنا أن نتكلم بهذا؟ قلت: معناه معنى ينبغي ويصح: أي ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا وما يصح لنا ونحوه - ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق - و (سبحانك) للتعجب من عظم الامر. فإن قلت: ما معنى التعجب في كلمة التسبيح؟
قلت: الأصل في ذلك أن يسبح الله عند رؤية العجيب من صنائعه، ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه أو لتنزيه الله تعالى من أن تكون حرمة نبيه عليه الصلاة والسلام فاجرة. فإن قلت: كيف جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة؟ قلت: لان الأنبياء مبعوثون إلى الكفار ليدعوهم ويستعطفوهم، فيجب أن لا يكون معهم ما ينفرهم عنهم ولم يكن الكفر عندهم مما ينفر، وأما الكشخنة فمن أعظم المنفرات: أي كراهة (أن تعودوا) أو في أن تعودوا من قولك وعظت فلانا في كذا فتركه. وأبدهم ما داموا أحياء مكلفين، و (إن كنتم مؤمنين) فيه تهييج لهم ليتعظوا وتذكير بما يوجب ترك العود وهو اتصافهم بالايمان الصاد عن كل مقبح. ويبين الله لكم الدلالات على علمه وحكمته بما ينزل عليكم من الشرائع ويعلمكم من الآداب الجميلة ويعظكم به من المواعظ الشافية، والله عالم بكل شئ فاعل لما يفعله بدواعي الحكمة. المعنى: يشيعون الفاحشة الفاحشة عن قصد إلى الإشاعة وإرادة ومحبة لها. وعذاب الدنيا الحد، ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي وحسانا ومسطحا وقعد صفوان لحسان فضربه ضربة بالسيف وكف بصره. وقيل هو المراد بقوله - والذي تولى كبره منهم - (والله يعلم) ما في القلوب من الاسرار والضمائر (وأنتم لا تعلمون) يعنى أنه قد علم محبة من أحب الإشاعة وهو معاقبه عليها. وكرر المنة بترك المعاجلة بالعقاب حاذفا جواب لولا كما حذفه ثمة، وفى هذا التكرير مع حذف الجواب مبالغة عظيمة وكذلك في التواب والرؤوف والرحيم. الفحشاء والفاحشة: ما أفرط قبحه، قال أبو ذؤيب:
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»