الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٣
إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم. لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين.
____________________
في قوله (هو خير لكم) لمن ساءه ذلك من المؤمنين وخاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعائشة وصفوان بن المعطل رضي الله عنهم. ومعنى كونه خيرا لهم أنهم اكتسبوا فيه الثواب العظيم لأنه كان بلاء مبينا ومحنة ظاهرة، وأنه نزلت فيه ثماني عشرة آية كل واحدة منها مستقله بما هو تعظيم لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له وتنزيه لام المؤمنين رضوان الله عليها وتطهير لأهل البيت وتهويل لمن تكلم في ذلك أو سمع به فلم تمجه أذناه، وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة، وفوائد دينية وأحكام وآداب لا تخفى على متأمليها (بأنفسهم) أي بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله - ولا تلمزوا أنفسكم وذلك نحو ما يروى أن أبا أيوب الأنصاري قال لام أيوب: ألا ترين ما يقال؟ فقالت: لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوءا؟ قال لا، قلت: ولو كنت أنا بدل عائشة رضي الله عنها ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعائشة خير منى، وصفوان خير منك. فإن قلت: هلا قيل لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيرا، وقلتم ولم عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعن الضمير إلى الظاهر؟ قلت: ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات، وليصرح بلفظ الايمان دلالة على أن الاشتراك فيه مقتض أن لا يصدق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن، وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع قالة في أخيه أن يبنى الامر فيها على الظن لا على الشك، وأن يقول بملء ء فيه بناء على ظنه بالمؤمن الخير (هذا إفك مبين) هكذا بلفظ المصرح ببراءة ساحته كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال، وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به والحافظ له، وليتك تجد من يسمع تجد من يسمع فيسكت ولا
(٥٣)
مفاتيح البحث: الظنّ (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»