الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٤
لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون.
ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم. إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.
____________________
يشيع ما سمعه بأخوات. جعل الله التفصلة بين الرمي الصادق والكاذب ثبوت شهادة الشهود الأربعة وانتفاءها، والذين رموا عائشة رضي الله عنها لم تكن لهم بينة على قولهم فقامت عليهم الحجة وكانوا (عند الله) أي في حكمه وشريعته كاذبين، وهذا توبيخ وتعنيف للذين سمعوا الإفك فلم يجدوا في دفعه وإنكاره، واحتجاج عليهم بما هو ظاهر مكشوف في الشرع من وجوب تكذيب القاذف بغير بينة والتنكيل به إذا قذف امرأة محصنة من عرض نساء المسلمين، فكيف بأم المؤمنين الصديقة بنت الصديق حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبيبة حبيب الله.
لولا الأولى للتحضيض وهذه لامتناع الشئ لوجود غيره، والمعنى: ولولا أنى قضيت أن أتفضل عليكم في الدنيا بضروب النعم التي من جملتها الامهال للتسوية، وأن أترحم عليكم في الآخرة بالعفو والمغفرة لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك. يقال أفاض في الحديث وندفع وهضب وخاض (إذ) ظرف لمسكم أو لافضتم (تلقونه) يأخذه بعضكم من بعض، يقال تلقى القول وتلقنه وتلقفه، ومنه قوله تعالى - فتلقى آدم من ربه كلمات - وقرئ على الأصل تتلقونه وإذ تلقونه بإدغام الذال في التاء، وتلقونه من لقيه بمعنى لقفه، وتلقونه من إلقائه بعضهم على بعض وتلقونه وتألقونه من الولق والألق وهو الكذب وتلقونه محكية عن عائشة رضي الله عنها. وعن سفيان سمعت أمي تقرأ إذ تثقفونه، وكان أبوها يقرأ بحرف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. فإن قلت: ما معنى قوله (بأفواهكم) والقول لا يكون إلا بالفم؟ قلت: معناه أن الشئ المعلوم يكون علمه في القلب فيترجم عنه اللسان، وهذا الإفك ليس إلا قولا يجرى على ألسنتكم ويدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب كقوله تعالى - يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم - أي تحسبونه صغيرة وهو عند الله كبيرة موجبة. وعن بعضهم أنه جزع عند الموت، فقيل له فقال: أخاف ذنبا لم يكن منى على بال وهو عند الله عظيم. وفي كلام بعضهم: لا تقولن لشئ من سيئاتك حقير فلعله عند الله نخلة وهو عندك نقير. وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام وعلق مس العذاب العظيم بها: أحدها تلقى الإفك بألسنتهم وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول له ما وراءك؟ فيحدثه بحيث الإفك حتى شاع وانتشر فلم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه. والثاني التكلم بما لا علم لهم به، والثالث استصغارهم لذلك وهو عظيمة من العظائم. فإن قلت: كيف جاز الفصل بين لولا وقلتم؟ قلت: للظروف شأن وهو تنزلها من الأشياء
(٥٤)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»