الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٦٥
لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت
____________________
وظلف النفس كأن المستعف طالب من نفسه العفاف وحاملها عليه (لا يجدون نكاحا) أي استطاعة تزوج، ويجوز أن يراد بالنكاح ما ينكح به من المال (حتى يغنيهم الله) ترجية للمستعفين وتقدمه، وعد بالتفضل عليهم بالغنى ليكون انتظار ذلك وتأميله لطفا لهم في استعفافهم وربطا على قلوبهم وليظهر بذلك أن فضله أولى بالاعفاء وأدنى من الصلحاء، وما أحسن ما رتب هذه الأوامر حيث أمر أولا بما يعصم من الفتنة ويبعد من مواقعة المعصية وهو غض البصر ثم بالنكاح الذي يحصن به الدين ويقع به الاستغناء بالحلال عن الحرام، ثم بالحمل على النفس الامارة بالسوء وعزفها عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح إلى أن يرزق القدرة عليه (والذين يبتغون) مرفوع على الابتداء أو منصوب بفعل مضمر يفسره فكاتبوهم كقولك زيدا فاضربه، ودخلت الفاء لتضمن معنى الشرط والكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة وهو أن يقول الرجل لمملوكه: كاتبتك على ألف درهم فإن أداها عتق، ومعناه كتبت لك على نفسي أن تعتق منى إذا وافيت بالمال، وكتبت على نفسك أن تفي بذلك أو كتبت عليكم الوفاء بالمال وكتبت على العتق. ويجوز عند أبي حنيفة رضي الله عنه حالا ومؤجلا منجما وغير منجم، لان الله تعالى لم يذكر التنجيم وقياسا على سائر العقود. وعند الشافعي رضي الله عنه: لا يجوز إلا مؤجلا منجما، ولا يجوز عنده بنجم واحد لان العبد لا يملك شيئا، فعقده حالا منع من حصول الغرض لأنه لا يقدر على أداء البدل عاجلا. ويجوز عقده على مال قليل وكثير، وعلى خدمة في مدة معلومة، وعلى عمل معلوم موقت مثل حفر بئر في مكان بعينه معلومة الطول والعرض، وبناء دار قد أراه آجرها وجصها وما يبنى به، وإن كاتبه على
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»