الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٦٨
يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم. في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال. رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار.
____________________
بالغداة والعشى جميعا فهي شرقية وغربية، ثم وصف الزيت بالصفاء والوبيص وأنه لتلألئه (يكاد) يضئ من غير نار (نور على نور) أي هذا الذي شبهت به الحق نور متضاعف قد تناصر فيه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت حتى لم تبق مما يقوى النور ويزيده إشراقا ويمده بإضاءة بقية، وذلك أن المصباح إذا كان في مكان متضايق كالمشكاة كان أضوأ له وأجمع لنوره، بخلاف المكان الواسع فإن الضوء ينبث فيه وينتشر والقنديل أعون شئ على زيادة الإنارة، وكذلك الزيت وصفاؤه (يهدى الله) لهذا النور الثاقب (من يشاء) من عباده: أي يوفق لإصابة الحق من نظر وتدبر بعين عقله والانصاف من نفسه ولم يذهب عن الجادة الموصلة إليه يمينا وشمالا، ومن لم يتدبر فهو كالأعمى الذي سواء عليه جنح الليل الدامس وضحوة النهار الشامس. عن علي رضي الله عنه - الله نور السماوات والأرض - أي نشر فيها الحق وبثه فأضاءت بنوره أو نور قلوب أهلها به. وعن أبي بن كعب رضي الله عنه: مثل نور من آمن به. وقرئ زجاجة الزجاجة بالفتح والكسر، ودري منسوب إلى الدر: أي أبيض متلألئ ودرئ بوزن سكيت يدرأ الظلام بضوئه ودرئ كمريق ودري كالسكينة. عن أبي زيد: وتوقد بمعنى تتوقد والفعل للزجاجة، ويوقد وتوقد بالتخفيف ويوقد بالتشديد ويوقد بحذف التاء وفتح الياء لاجتماع حرفين زائدين وهو غريب ويمسسه بالياء لان التأنيث ليس بحقيقي والضمير فاصل (في بيوت) يتعلق بما قبله:
أي كمشكاة في بعض بيوت الله وهى المساجد كأنه قيل: مثل نوره كما يرى في المسجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت، أو بما بعده وهو يسبح أي يسبح له رجال في بيوت وفيها تكرير كقولك زيد في الدار جالس فيها، أو بمحذوف كقوله في تسع آيات: أي سبحوا في بيوت. والمراد بالاذن الامر، ورفعها بناؤها كقوله - بناها رفع سمكها فسواها - وإذ يرفع إبراهيم القواعد - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي المساجد أمر الله أن تبنى أو تعظيمها والرفع من قدرها. وعن الحسن رضي الله عنه: ما أمر الله أن ترفع بالبناء ولكن بالتعظيم (ويذكر فيها اسمه) أوفق له وهو عام في كل ذكره. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: وأن يتلى فيها كتابه. وقرئ يسبح على البناء للمفعول ويسند إلى أحد الظروف الثلاثة أعني له فيها بالغدو، ورجال مرفوع بما دل عليه يسبح وهو يسبح له وتسبح بالتاء وكسر الباء. وعن أبي جعفر رضي الله عنه بالتاء وفتح الباء، ووجهها أن يسند إلى أوقات الغدو والآصال على زيادة الباء وتجعل الأوقات مسبحة، والمراد ربها كصيد عليه يومان والمراد وحشهما. والآصال جمع أصل وهو العشى، والمعنى: بأوقات الغدو: أي بالغدوات. وقرئ والإيصال وهو الدخول في الأصيل، يقال أصل كأظهر وأعتم. التجارة صناعة التاجر وهو الذي يبيع ويشترى للربح، فإما أن يريد لا يشغلهم نوع من هذه الصناعة، ثم خص البيع لأنه في الالهاء أدخل من قبل أن التاجر إذا اتجهت له بيعة رابحة وهى طلبته الكلية من
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»