الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٦١
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن
____________________
أصلا أولى بها وأحسن، ومنه حديث ابن أم مكتوم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب، فدخل علينا فقال احتجبا، فقلنا:
يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ ". فإن قلت: لم قدم غض الابصار على حفظ الفروج: قلت: لان النظر بريد الزنا ورائد الفجور والبلوى فيه أشد وأكثر ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه. الزينة: ما تزينت به المرأة من حلى أو كحل أو خضاب، فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب، وما خفى منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين، وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الامر بالتصون والتستر، لأن هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء، وهى الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والاذن، فنهى عن إبداء الزين نفسها ليعلم أن النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع، بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنا في الحظر ثابت القدم في الحرمة شاهدا على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين في الكشف عنها. فإن قلت: ما تقول في القراميل هل يحل نظر هؤلاء إليها؟ قلت: نعم. فإن قلت: أليس موقعها الظهر ولا يحل لهم النظر إلى ظهرها وبطنها، وربما ورد الشعر فوقعت القراميل على ما يحاذى تحت السرة؟ قلت: الامر كما قلت، ولكن أمر القراميل خلاف أمر سائر الحلى لأنه لا يقع إلا فوق اللباس. ويجوز النظر إلى الثوب الواقع على الظهر والبطن للأجانب فضلا عن هؤلاء إلا إذا كان يصف لرقته فلا يحل النظر إليه فلا يحل النظر إلى القراميل واقعة عليه. فإن قلت: ما المراد بموقع الزينة، ذلك العضو كله أم المقلد الذي تلابسه الزينة منه؟ قلت: الصحيح أنه العضو كله كما فسرت مواقع الزينة الخفية، وكذلك مواقع الزينة الظاهرة الوجه موقع الكحل في عينيه والخضاب بالوسمة في حاجبيه وشاربيه والغمرة في خديه والكف والقدم موقعا الخاتم والفتخة والخضاب بالحناء. فإن قلت: لم سومح مطلقا في الزينة الظاهرة؟ قلت: لان سترها فيه حرج، فإن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات منهن وهذا معنى قوله (إلا ما ظهر منها) يعنى إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور، وإنما سومح في الزينة الخفية أولئك المذكورون لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم ومخالطتهم ولقلة توقع الفتنة من جهاتهم ولما في الطباع من
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»