الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٥
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون. فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم. ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون. وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين.
____________________
يستقصرونها فكيف بمن دونهم. وعن ابن عباس: أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين. (عبثا) حال:
أي عابثين كقوله لاعبين أو مفعول له: أي ما خلقناكم للعبث ولم يدعنا إلى خلقكم إلا حكمة اقتضت ذلك، وهى أن نتعبدكم ونكلفكم المشاق من الطاعات وترك المعاصي ثم نرجعكم من دار التكليف إلى دار الجزاء فنثيب المحسن ونعاقب المسئ (وأنكم إلينا لا ترجعون) معطوف على أنما خلقناكم، ويجوز أن يكون معطوفا على عبثا أي للعبث ولترككم غير مرجوعين، وقرئ ترجعون بفتح التاء (الحق) الذي يحق له الملك لان كل شئ منه وإليه، أو الثابت الذي لا يزول ولا يزول ملكه. وصف العرش بالكرم لان الرحمة تنزل منه والخير والبركة أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين كما يقال بيت كريم إذا كان ساكنوه كراما، وقرئ الكريم بالرفع ونحوه ذو العرش المجيد (لا برهان له به) كقوله " مالم ينزل به سلطانا " وهى صفة لازمة نحو قوله - يطير بجناحيه - جئ بها للتوكيد لا أن يكون في الألهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان، ويجوز أن يكون اعتراضا بين الشرط والجزاء كقولك من أحسن إلى زيد لا أحق بالاحسان منه فالله مثيبه. وقرئ أنه لا يفلح بفتح الهمزة ومعناه حسابه عدم الفلاح والأصل حسابه أنه لا يفلح هو فوضع الكافرون موضع الضمير لان من يدع في معنى الجمع وكذلك حسابه أنه لا يفلح في معنى حسابهم أنهم لا يفلحون جعل فاتحة السورة " قد أفلح المؤمنون " وأورد في خاتمتها " إنه لا يفلح الكافرون " فشتان ما بين الفاتحة والخاتمة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة المؤمنون بشرته الملائكة بالروح والريحان وما تقر به عينه عند نزول ملك الموت " ورى " أن أول سورة قد أفلح وآخرها من كنوز العرش، من عمل بثلاث آيات من أولها واتعظ بأربع آيات من آخرها فقد نجا وأفلح ". وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " كان روسل الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عنده دوى كدوي النحل، فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يده وقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا وأرضنا، ثم قال: لقد أنزلت على عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ - قد أفلح المؤمنون - حتى ختم العشر ".
(٤٥)
مفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»