الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٩٦
ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين. أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون.
____________________
على حرف كما قال - لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور - وروى أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جزعوا من أذى المشركين. وقيل في عمار بن ياسر وكان يعذب في الله. وقيل في ناس أسلموا بمكة فكتب إليهم المهاجرون لا يقبل منكم إسلامكم حتى تهاجروا فخرجوا فتبعهم المشركون فردوهم، فلما نزلت كتبوا بها إليهم فخرجوا، فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا. وقيل في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أول قتيل من المسلمين يوم بدبر رماه عامر بن الحضرمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة " فجزع عليه أبواه وامرأته (ولقد فتنا) موصول) بأحسب أو بلا يفتنون كقولك ألا يمتحن فلان وقد امتحن من هو خير منه، يعنى أن أتباع الأنبياء عليهم السلام قبلهم قد أصابهم من الفتن والمحن نحو ما أصابهم أو ما هو أشد منه فصبروا كما قال - وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير فما وهنوا - الآية. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " قد كان من قبلكم يؤخذ فيوضع المنشار على رأسه فيفرق فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه " (فليعلمن الله) بالامتحان (الذين صدقوا) في الإيمان (وليعلمن الكاذبين) فيه فإن قلت: كيف وهو عالم بذلك فيما لم يزل؟ قلت لم يزل يعلمه معدوما ولا يعلمه موجودا إلا إذا وجد، والمعنى وليتميزن الصادق منهم من الكاذب. ويجوز أن يكون وعدا ووعيدا كأنه قال: وليثيبن الذين صدقوا وليعاقبن الكاذبين. وقرأ علي رضي الله عنه والزهري: وليعلمن من الإعلام: أي وليعرفنهم الله الناس من هم أو ليسمنهم بعلامة يعرفون بها من بياض الوجوه وسوادها وكحل العيون وزرقتها (أن يسبقونا) أن يفوتونا، يعنى أن الجزاء يلحقهم لا محالة وهم لم يطمعوا في الفوت ولم يحدثوا به نفوسهم ولكنهم لغفلتهم وقلة فكرهم في العاقبة وإصرارهم على المعاصي في صورة من يقدر ذلك ويطمع فيه، ونظيره - وما أنتم بمعجزين في الأرض - ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون -. فإن قلت: أين مفعولا الجنة - ويجوز أن يضمن حسب معنى قدر وأم منقطعة، ومعنى الإضراب فيها أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الأول، لأن ذاك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه (ساء ما يحكمون) بئس الذي يحكمونه حكمهم هذا أو بئس حكما يحكمونه حكمهم هذا فحذف المخصوص
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»