الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٠٧
* خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين * أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن
____________________
وحسنها وفائدتها إلا هم، لان الأمثال والتشبيهات إنما هي الطرق إلى المعاني المحتجبة في الأستار حتى تبرزها وتكشف عنها وتصورها للأفهام كما صور هذا التشبيه الفرق بين حال المشرك وحال الموحد. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية فقال: " العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه " (بالحق) أي بالغرض الصحيح الذي هو حق لا باطل وهو أن تكون مساكن عباده وعبرة للمعتبرين منهم ودلائل على عظم قدرته، إلا ترى إلى قوله (إن في ذلك لاية للمؤمنين) ونحوه قوله تعالى - وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا - ثم قال - ذلك ظن الذين كفروا - الصلاة تكون لطفا في ترك المعاصي فكأنها ناهية عنها. فإن قلت: كم من مصل يرتكب ولا تنهاه صلاته؟ قلت: الصلاة التي هي الصلاة عند الله المستحق بها الثواب أن يدخل فيها مقدما للتوبة النصوح متقيا لقوله تعالى - إنما يتقبل الله من المتقين - ويصليها خاشعا بالقلب والجوارح. فقد روى عن حاتم كأن رجلي على الصراط والجنة عن يميني والنار عن يساري وملك الموت من فوقي وأصلي بين الخوف والرجاء، ثم يحوطها بعد أن يصليها فلا يحبطها، فهي الصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر. وعن ابن عباس رضي الله عنهما " من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهى عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا " وعن الحسن رحمه الله " من لم تنه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست صلاته بصلاة وهي وبال عليه " وقيل من كان مراعيا للصلاة جره ذلك إلى أنه ينتهي عن السيئات يوما ما، فقد روى " أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل، فقال: إن صلاته لتردعه " وروى " أن فتى من الأنصار كان يصلي معه الصلوات ولا يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه، فوصف له، فقال: إن صلاته ستنهاه، فلم يلبث أن تاب " وعلى كل حال إن المراعي للصلاة لابد أن يكون أبعد من الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها، وأيضا فكم من مصلين تنهاهم الصلاة عن الفحشاء والمنكر، واللفظ لا يقتضي أن لا يخرج واحد من المصلين عن قضيتها كما تقول إن زيدا ينهى عن المنكر، فليس غرضك أنه ينهى عن جميع المناكير وإنما تريد أن هذه الخصلة موجودة فيه وحاصلة منه من مصلين تنهاهم الصلاة عن الفحشاء غير اقتضاء للعموم (ولذكر الله أكبر) يريد: وللصلاة أكبر من غيرها من الطاعات وسماها بذكر الله كما قال - فاسعوا إلى ذكر الله - وإنما قال: ولذكر الله ليستقل بالتعليل كأنه قال: وللصلاة أكبر لأنها ذكر الله، أو ولذكر الله عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما أكبر فكان أولى بأن ينهى من اللطف الذي في الصلاة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته (والله يعلم ما تصنعون) من الخير والطاعة فيثيبكم أحسن الثواب (بالتي هي أحسن)
(٢٠٧)
مفاتيح البحث: أهل الكتاب (1)، الصّلاة (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»