الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٩٤
قل ربى أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين. وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين. ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين. ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون.
____________________
المعاد لذلك. وقيل المراد به مكة، ووجهه أن يراد رده إليها يوم الفتح، ووجه تنكيره أنها كانت في ذلك اليوم معادا له شأن ومرجعا له اعتداد لغلبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وقهره لأهلها ولظهور عز الإسلام وأهله وذل الشرك وحزبه، والسورة مكية. فكأن الله وعده وهو بمكة في أذى وغلبة من أهلها أنه يهاجر به منها ويعيده إليها ظاهرا ظافرا. وقيل نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجره وقد اشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم، فنزل جبريل فقال له: أتشتاق إلى مكة؟ قال: نعم فأوحاها إليه. فإن قلت: كيف اتصل قوله تعالى (قل ربى أعلم) بما قلبه؟ قلت: لما وعد رسوله الرد إلى معاد. قال: قل للمشركين ربى أعلم من جاء بالهدى: يعنى نفسه وما يستحقه من الثوب في معاده (ومن هو في ضلال مبين) يعنيهم وما يستحقونه من العقاب في معادهم. فإن قلت: قوله (إلا رحمة من ربك) ما وجه الاستثناء فيه؟ قلت: هذا كلام محمول على المعنى كأنه قيل: وما ألقى عليك الكتاب إلا رحمة من ربك، ويجوز أن يكون إلا بمعنى لكن للاستدراك: أي ولكن لرحمة من ربك ألقى إليك. وقرئ يصدنك من أصده بمعنى صده وهى في لغة كلب، وقال:
أناس أصد الناس بالسيف عنهم * صدود السواقي عن أنوف الحوائم (بعد إذ أنزلت إليك) بعد وقت إنزاله، وإذ تضاف إليه أسماء الزمان كقولك حينئذ وليلتئذ ويومئذ وما أشبه ذلك. والنهى عن مظاهرة الكافرين ونحو ذلك من باب التهييج الذي سبق ذكره (إلا وجهه) إلا إياه والوجه يعبر به عن الذات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ طسم القصص كان له من الأجر بعدد من صدق موسى وكذب به، ولم يبق ملك في السماوات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنه كان صادقا أن كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ".
(١٩٤)
مفاتيح البحث: الهلاك (1)، الضلال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»