الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٨٣
فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتى مثل ما أوتى موسى أولم يكفروا بما أوتى موسى من قبل قالوا ساحران تظاهرا
____________________
واد واحد، والمعنى: ولولا أنهم قائلون إذا عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي هلا أرسلت إلينا رسولا، محتجين علينا بذلك لما أرسلنا إليهم، يعنى أن إرسال الرسول إنما هو ليلزموا الحجة ولا يلزموها كقوله - لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل - أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير - لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك - فإن قلت: كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول لدخول حرف الامتناع عليها دونه؟ قلت: القول هو المقصود بأن يكون سببا لإرسال الرسل، ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال بواسطة القول فأدخلت عليها لولا، وجئ بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السببية ويؤل معناه إلى قولك: ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة، وهى أنهم لو لم يعاقبوا مثلا على كفرهم وقد عاينوا ما ألجئوا به إلى العلم اليقين لم يقولوا - لولا أرسلت إلينا رسولا - وإنما السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير لا التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم، وفى هذا من الشهادة القوية على استحكام كفرهم ورسوخه فيهم ما لا يخفى كقوله تعالى - ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه - ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي جعل كل عمل معبرا عنه باجتراح الأيدي وتقديم الأيدي وإن كان من أعمال القلوب، وهذا من الاتساع في الكلام وتصير الأقل تابعا للأكثر وتغليب الأكثر على الأقل (فلما جاءهم الحق) وهو الرسول المصدق بالكتاب المعجز مع سائر المعجزات وقطعت معاذيرهم وسد طريق احتجاجهم (قالوا لولا أوتى مثل ما أوتى موسى) من الكتاب المنزل جملة واحدة ومن قلب العصا حية وفلق البحر وغيرهما من الآيات، فجاءوا بالاقتراحات المبنية على التعنت والعناد كما قالوا - لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك - وما أشبه ذلك (أو لم يكفروا) يعنى أبناء جنسهم ومن مذهبهم مذهبهم وعنادهم وهم الكفرة في زمن موسى عليه السلام (بما أوتى موسى) وعن الحسن رحمه الله: قد كان للعرب أصل في أيام موسى عليه السلام، فمعناه على هذا أو لم يكفر آباؤهم (قالوا) في موسى وهرون (ساحران تظاهرا) أي تعاونا، وقرئ اظاهرا
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»