الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٩٠
فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون * إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين. وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن.
____________________
(فقلنا) للأمة (هاتوا برهانكم) فيما كنتم عليه من الشرك ومخالفة الرسول (فعلموا) حينئذ (أن الحق لله) ولرسله لا لهم ولشياطينهم (وضل عنهم) وغاب عنهم غيبة الشئ الضائع (ما كانوا يفترون) من الكذب والباطل (قارون) اسم أعجمي مثل هارون، ولم ينصرف للعجمة والتعريف، ولو كان فاعولا من قرن لانصرف. وقيل معنى كونه من قومه أنه آمن به. وقيل كان إسرائيليا ابن عم موسى هو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب وموسى ابن عمران بن قاهث. وقيل كان موسى ابن أخيه وكان يسمى المنور لحسن صورته، وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة، ولكنه نافق كما نافق السامري وقال: إذا كانت النبوة لموسى عليه السلام والمذبح والقربان إلى هارون فمالي؟
وروى أنه لما جاوز بهم موسى البحر وصارت الرسالة والحبورة لهارون يقرب القربان ويكون رأسا فيهم، وكان القربان إلى موسى فجعله موسى إلى أخيه وجد قارون في نفسه وحسدهما فقال لموسى: الأمر لكما ولست على شئ إلى متى أصبر؟ قال موسى: هذا صنع الله، قال: والله لا أصدقك حتى تأتى آية، فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يجئ كل واحد بعصاه، فحزمها وألقاها في القبة التي كان الوحي ينزل عليه فيها وكانوا يحرسون عصيهم بالليل، فأصبحوا وإذا بعصا هارون تهتز ولها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز، فقال قارون: ما هو بأعجب مما تصنع من السحر (فبغى عليهم) من البغى وهو الظلم، قيل ملكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم. وقيل من البغى وهو الكبر والبذح تبذخ عليهم بكثرة ماله وولده. وقيل زاد عليهم في الثياب شبرا. المفاتح جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به. وقيل هي الخزائن وقياس واحدها مفتح بالفتح. ويقال ناء به الحمل: إذا أثقله حتى أماله، والعصبة:
الجماعة الكثيرة والعصابة مثلها، واعصو صبوا اجتمعوا. وقيل كانت تحمل مفاتيح خزانته ستون بغلا لكل خزانة مفتاح ولا يزيد المفتاح على إصبع وكانت من جلود. قال أبو رزين: يكفي الكوفة مفتاح، وقد بولغ في ذكر ذلك بلفظ الكنوز والمفاتح والنوء والعصبة وأولى القوة. وقرأ بديل بن ميسرة لينوء بالياء ووجهه أن يفسر المفاتح بالخزائن ويعطيها حكم ما أضيفت إليه للملابسة والاتصال كقولك: ذهبت أهل اليمامة ومحل إذ منصوب بتنوء (لا تفرح) كقوله - ولا تفرحوا بما آتاكم - وقول القائل * ولست بمفراح إذا الدهر سرنى * وذلك أنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضى بها واطمأن، وأما من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه مفارق ما فيه عن قريب لم تحدثه نفسه بالفرح، وما أحسن ما قال القائل:
أشد الغم عندي في سرور * تيقن عنه صاحبه انتقالا (وابتغ فيما آتاك الله) من الغنى والثروة (الدار الآخرة) بأن تفعل فيه أفعال الخير من أصناف الواجب والمندوب إليه وتجعله زادك إلى الآخرة (ولا تنس نصيبك) وهو أن تأخذ منه ما يكفيك ويصلحك (وأحس)
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»