الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٩١
كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين. قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون. فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم.
وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله.
____________________
إلى عباد الله (كما أحسن الله إليك) أو أحسن بشكرك وطاعتك لله كما أحسن إليك. والفساد في الأرض: ما كان عليه من الظلم والبغي. وقيل إن القائل موسى عليه السلام. وقرئ واتبع (على علم) أي على استحقاق واستيجاب لما في من العلم الذي فضلت به الناس وذلك أنه كان أعلم بني إسرائيل بالتوراة. وقيل هو علم الكيمياء. عن سعيد ابن المسيب: كان موسى عليه السلام يعلم علم الكيمياء. فأفاد يوشع بن نون ثلثه وكالب بن يوفنا ثلثه وقارون ثلثه، فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه، فكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهبا. وقيل علم الله موسى علم الكيمياء فعلمه موسى أخته فعلمته أخته قارون. وقيل هو بصره بأنواع التجارة والدهقنة وسائر المكاسب. وقيل (عندي) معناه في ظني كما تقول الأمر عندي كذا كأنه قال: إنما أوتيته على علم كقوله تعالى - ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم - ثم زاد عندي: أي هو في ظني ورأيي هكذا. يجوز أن يكون إثباتا لعلمه بأن الله قد أهلك من القرون قبله من هو أقوى منه وأغنى، لأنه قد قرأه في التوراة وأخبر به موسى وسمعه من حفاظ التواريخ والأيام كأنه قيل (أو لم يعلم) في جملة ما عنده من العلم هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته.
ويجوز أن يكون نفيا لعلمه بذلك لأنه لما قال أوتيته على علم عندي فتنفج بالعلم وتعظم به. قيل: أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه، ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة ولم يعلم هذا العلم المنافع حتى بقى به نفسه مصارع الهالكين (وأكثر جمعا) للمال أو أكثر جماعة وعددا. فإن قلت: ما وجه اتصال قوله (ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون) بما قبله؟
قلت: لما ذكر قارون من أهلك من قبله من القرون الذين كانوا أقوى منه وأغنى قال على سبيل التهديد له والله مطلع على ذنوب المجرمين لا يحتاج إلى سؤالهم عنها واستعلامهم وهو قادر على أن يعاقبهم عليها كقوله تعالى - والله خبير بما تعلمون - والله بما تعملون عليم - وما أشبه ذلك (في زينته) قال الحسن: في الحمرة والصفرة. وقيل خرج على بغلة شهباء عليها الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف على زية، وقيل عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر وعن يمينه ثلاثمائة غلام وعن يساره ثلاثمائة جارية بيض عليهن الحلى والديباج. وقيل في تسعين ألفا عليهم المعصفرات، وهو أول يوم رؤي فيه المعصفر. كان المتمنون قوما مسلمين، وإنما تمنوه على سبيل الرغبة في اليسار والاستغناء كما هو عادة البشر. وعن قتادة: تمنوه ليتقربوا به إلى الله وينفقوه في سبيل الخير. وقيل كانوا قوما كفارا. الغابط: هو الذي يتمنى مثل نعمة صاحبه من غير أن تزول عنه، والحاسد: هو الذي يتمنى أن تكون نعمة صاحبه له دونه، فمن الغبطة قوله تعالى - يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون - ومن الحسد قوله - ولا تتمنوا ما فضل
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»