الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٩٢
خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون. فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين. وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون.
____________________
الله به بعضكم على بعض، وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم " هل يضر الغبط؟ فقال: لا، إلا كما يضر العضاه الخبط ". والحظ: الجد وهو البخت والدولة، وصفوة بأنه رجل مجدود مبخوت يقال فلان ذو حظ وحظيظ ومحظوظ، وما الدنيا إلا أحاظ وجدود. ويلك أصله الدعاء بالهلاك ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرتضى، كما استعمل لا أبالك وأصله الدعاء على الرجل بالإقراف في الحث على الفعل. والراجع في (ولا يلقاها) للكلمة التي تكلم بها العلماء أو للثواب لأنه في معنى المثوبة، أو الجنة أو للسيرة والطريقة وهى الإيمان والعمل الصالح (الصابرون) على الطاعات عن الشهوات وعلى ما قسم الله من القليل عن الكثير. كان قارون يؤذى نبي الله موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه للقرابة التي بينهما، حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف دينار على دينار، وعن كل ألف درهم على درهم، فحسبه فاستكثره فشحت به نفسه، فجمع بني إسرائيل وقال: إن موسى أرادكم على كل شئ وهو يريد أن يأخذ أموالكم، فقالوا: أنت كبيرنا وسيدنا فمر بما شئت، قال: نبرطل فلانة البغى حتى ترميه بنفسها فيرفضه بنو إسرائيل، فجعل لها ألف دينار، وقيل طستا من ذهب، وقيل طستا من ذهب مملوءة ذهبا، وقيل حكمها فلما كان يوم عيد قام موسى فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى وهو غير محصن جلدناه وإن أحصن رجمناه، فقال قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة، فأحضرت فناشدها موسى بالذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فتداركها الله فقالت كذبوا بل جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي، فخر موسى ساجدا يبكى وقال: يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي، فأوحى إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك، فقال: يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون، فمن كان معه فليلزم مكانه، ومن كان معي فليعتزل، فاعتزلوا جميعا غير رجلين، ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب، ثم قال خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط، ثم قال خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وقارون وأصحابه يتضرعون إلى موسى عليه السلام ويناشدونه بالله والرحم، وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه، ثم قال خذيهم فانطبقت عليهم، وأوحى الله إلى موسى ما أفظك استغاثوا بك مرارا فلم ترحمهم، أما وعزتي لو إياي دعوا مرة واحدة لوجدوني قريبا مجيبا، فأصبحت بنو إسرائيل يتناجون بينهم إنما دعا موسى على قارون ليستبد بداره وكنوزه، فدعا الله حتى خسف بداره وأمواله (من المنتصرين) من المنتقمين من موسى عليه السلام أو من الممتنعين من عذاب الله، يقال نصره من عدوه فانتصر: أي منعه منه فامتنع. قد يذكر الأمس ولا يراد به اليوم الذي قبل يومك ولكن الوقت المستقرب على طريق الاستعارة (مكانه) منزلته من الدنيا (وى) مفصولة عن كأن وهى كلمة تنبه على الخطأ وتندم، ومعناه: أن القوم قد تنبهوا على خطئهم في تمنيهم، وقوله - يا ليت لنا مثل أوتى قارون - وتندموا ثم قالوا (كأنه لا يفلح الكافرون) أي ما أشبه الحال بأن الكافرين لا ينالون الفلاح وهو مذهب الخليل وسيبويه، قال:
(١٩٢)
مفاتيح البحث: الرزق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»