الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٩٥
سورة العنكبوت مكية. وهى تسع وستون آية بسم الله الرحمن الرحيم ألم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون.
____________________
سورة العنكبوت مكية. وهى تسع وستون آية (بسم الله الرحمن الرحيم) الحسبان لا يصلح تعليقه بمعانى المفردات ولكن بمضامين الجمل، ألا ترى أنك لو قلت حسبت زيدا وظننت الفرس لم يكن شيئا حتى تقول حسبت زيدا عالما وظننت الفرس جوادا، لأن قولك زيد عالم أو الفرس جواد كلام دال على مضمون، فأردت الإخبار عن ذلك المضمون ثابتا عندك على وجه الظن لا اليقين، فلم تجد بدا في العبارة عن ثباته عندك على ذلك الوجه من ذكر شطرى الجملة مدخلا عليهما فعل الحسبان حتى يتم لك غرضك.
فإن قلت: فأين الكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان في الآية؟ قلت: هو في قوله (أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) وذلك أن تقديره: أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا، فالترك أول مفعولي حسب ولقولهم آمنا هو الخبر، وأما غير مفتونين فتتمة الترك لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير كقوله:
* فتركته جزر السباع ينشنه * ألا ترى أنك قبل المجئ بالحسبان تقدر أن تقول: تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام. فإن قلت: أن يقولوا هو علة تركهم غير مفتونين فكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ؟ قلت: كما ثقول خروجه لمخافة الشر وضربه للتأديب، وقد كان التأديب والمخافة في قولك خرجت مخافة الشر وضربته تأديبا تعليلين، وتقول أيضا حسبت خروجه لمخافة الشر وظننت ضربه للتأديب فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ وخبرا. والفتنة: الامتحان بشدائد التكليف من مفارقة الأوطان ومجاهدة الأعداء وسائر الطاعات الشاقة وهجر الشهوات والملاذ، وبالفقر والقحط وأنواع المصائب في الأنفس والأموال وبمصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم وضرارهم، والمعنى: أحسب الذين أجروا كلمة الشهادة على ألسنتهم وأظهروا القول بالإيمان أنهم يتركون بذلك غير ممتحنين، بل يمحنهم الله بضروب المحن حتى يبلو صبرهم وثبات أقدامهم وصحة عقائدهم ونصوح نياتهم ليتميز المخلص من غير المخلص والراسخ في الدين من المضطرب والمتمكن من العابد
(١٩٥)
مفاتيح البحث: سورة العنكبوت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»