الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٠٠
وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون.
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون. فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين.
وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم.
____________________
قلت: شبه الله حالهم حيث علم أن ما ضمنوه لا طريق لهم إلى أن يفوا به، فكان ضمانهم عنده لا على ما عليه المضمون بالكاذبين الذين خبرهم لا على ما عليه المخبر عنه. ويجوز أن يريد أنهم كاذبون لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على خلافه، كالكاذبين الذين يعدون الشئ وفى قلوبهم نية الخلف (وليحملن أثقالهم) أي أثقال أنفسهم (وأثقالا) يعنى أثقالا أخر غير الخطايا التي ضمنوا للمؤمنين حملها وهى أثقال الذين كانوا سببا في ضلالهم (وليسئلن) سؤال تقريع (عما كانوا يفترون) أي نحتلقون من الأكاذيب والأباطيل. وقرئ من خطيئاتهم. كان عمر نوح عليه السلام ألفا وخمسين سنة، بعث على رأس أربعين ولبث في قومه تسعمائة وخمسين وعاش بعد الطوفان ستين. وعن وهب أنه عاش ألفا وأربعمائة سنة. فإن قلت: هلا قيل تسعمائة وخمسين سنة؟ قلت: ما أورده الله أحكم، لأنه لو قيل كما قلت لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره، وهذا التوهم زائل مع مجيئه كذلك، وكأنه قيل تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد إلا أن ذلك أخصر وأعذب لفظا وأملأ بالفائدة. وفيه نكتة أخرى وهى أن القصة مسوقة لذكر ما ابتلى به نوح عليه السلام من أمته وما كابده من طول المصابرة تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيتا له، فكان ذكر رأس العدد الذي لا رأس أكثر منه أوقع وأوصل إلى الغرض من استطالة السامع مدة صبره فإن قلت: فلم جاء المميز أولا بالسنة وثانيا بالعام؟ قلت: لأن تكرير اللفظ الواحد في الكلام الواحد حقيق بالاجتناب في البلاغة إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض ينتحيه المتكلم من تفخيم أو تهويل أو تنويه أو نحو ذلك، و (الطوفان) ما أطاف وأحاط بكثرة وغلبة من سيل أو ظلام ليل أو نحوهما، قال العجاج:
* وغم طوفان الظلام الأثأبا * (أصحاب السفينة) كانوا ثمانية وسبعين نفسا نصفهم ذكور ونصفهم إناث منهم أولاد نوح عليه السلام سام وحام ويافث ونساؤهم. وعن محمد بن إسحاق: كانوا عشرة خمسة رجال وخمس نسوة. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ثمانية نوح وأهله وبنوه الثلاثة. والضمير في (وجعلناها) للسفينة أو للحادثة والقصة. نصب (إبراهيم) بإضمار أذكر وأبدل عنه (إذ) بدل الاشتمال لأن الأحيان تشتمل
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»