الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٤٦
فانظر ماذا يرجعون. قالت يا أيها الملأ إني ألقى إلى كتاب كريم. إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على وائتوني مسلمين. قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون. قالوا نحن أولوا قوة وأولوا باس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين.
____________________
إلى مكان قريب تتوارى فيه ليكون ما يقولونه بمسمع منك، و (يرجعون) من قوله تعالى - يرجع بعضهم إلى بعض القول - فيقال دخل عليها من كوة فألقى الكتاب إليها وتوارى في الكوة. فإن قلت: لم قال: فألقه إليهم على لفظ الجمع؟ قلت: لأنه قال: وجدتها وقومها يسجدون للشمس، فقال: فألقه إلى الذين هذا دينهم، اهتماما منه بأمر الدين واشتغالا به عن غيره، وبنى الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك (كريم) حسن مضمونه وما فيه، أو وصفته بالكرم لأنه من عند ملك كريم أو مختوم. قال صلى الله عليه وسلم " كرم الكتاب ختمه " " وكان صلى الله عليه وسلم يكتب إلى العجم فقيل له: إنهم لا يقبلون إلا كتابا عليه خاتم فاصطنع خاتما ".
وعن ابن المقفع: من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به. وقيل مصدر ببسم الله الرحمن الرحيم. هو استئناف وتبيين لما ألقى إليها كأنها لما قالت إني ألقى إلى كتاب كريم قيل لها ممن هو وما هو؟ فقالت: إنه من سليمان وإنه كيت وكيت. وقرأ عبد الله وإنه من سليمان وإنه عطفا على إني. وقرئ أنه من سليمان، وأنه بالفتح على أنه بدل من كتاب كأنه قيل ألقى إلى أنه من سليمان، ويجوز أن تريد لأنه من سليمان ولأنه كأنها عللت كرمه بكونه من سليمان وتصديره باسم الله. وقرأ أبى أن من سليمان وأن بسم الله على أن المفسرة، وأن في (ألا تعلوا) مفسرة أيضا لا تعلوا لا تتكبروا كما يفعل الملوك. وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما بالغين معجمة من الغلو وهو مجاوزة الحد.
يروى أن نسخة الكتاب: من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد فلا تعلو على واتوني مسلمين. وكانت كتب الأنبياء عليهم السلام جملا لا يطلبون ولا يكثرون، وطبع الكتاب بالمسك وختمه بخاتمه، فوجدها الهدهد راقدة في قصرها بمأرب، وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها فدخل من كوة وطرح الكتاب على نحرها وهى مستلقية، وقيل نقرها فانتبهت فزعة، وقيل أتاها والقادة والجنود حواليها فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت رأسها فألقى الكتاب في حجرها وكانت قارئة كاتبة عربية من نسل تبع بن شراحيل الحميري فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت وقالت لقومها ما قالت (مسلمين) منقادين أو مؤمنين. الفتوى الجواب في الحادثة اشتقت على طريق الاستعارة من الفتى في السن والمراد بالفتوى ههنا الإشارة عليها بما عندهم فيما حدث لها من الرأي والتدبير، وقصدت بالانقطاع إليهم والرجوع إلى استشارتهم واستطلاع آرائهم استعطافهم وتطييب نفوسهم ليمالئوها ويقوموا معها (قاطعة أمرا) فاصلة، وفى قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: قاضية أي لا أبت أمرا إلا بمحضركم. وقيل كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا كل واحد على عشرة آلاف، أرادوا بالقوة قوة الأجساد وقوة الآلات والعدد. وبالبأس النجدة والبلاء في الحرب (والأمر إليك) أي هو موكول إليك ونحن مطيعون لك فمرينا بأمرك نطعك ولا نخالفك. كأنهم
(١٤٦)
مفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»