الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٥٠
قالت كأنه هو، وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين. وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين.
____________________
المعجزة البينة من تقدم عرشها وقد خلفته وأغلقت عليه الأبواب ونصبت عليه الحراس. هكذا ثلاث كلمات حرف التنبيه وكاف التشبيه واسم الإشارة لم يقل أهذا عرشك ولكن أمثل هذا عرشك، لئلا يكون تلقينا ف‍ (قالت) كأنه هو) ولم تقل هو هو ولا ليس، وذلك من رجاحة عقلها في المحتمل (وأوتينا العلم) من كلام سليمان وملئه فإن قلت: علام عطف هذا الكلام وبم اتصل؟ قلت: لما كان المقام الذي سئلت فيه عن عرشها وأجابت بما أجابت به مقاما أجرى فيه سليمان وملؤه ما يناسب قولهم - وأوتينا العلم - نحو أن يقولوا عند قولها كأنه هو: قد أصابت في جوابها وطبقت المفصل وهى عاقلة لبيبة وقد رزقت الإسلام وعلمت قدرة الله وصحة النبوة بالآيات التي تقدمت عند وفدة المنذر، وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها عطفوا على ذلك قولهم: وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها ولم نزل على دين الإسلام شكرا لله على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله والإسلام قبلها (وصدها) عن التقدم إلى الإسلام عبادة الشمس ونشؤها بين ظهراني الكفرة. ويجوز أن يكون من كلام بلقيس موصولا بقولها كأنه هو، والمعنى: وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة نبوة سليمان عليه السلام قبل هذه المعجزة أو قبل هذه الحالة: تعنى ما تبينت من الآيات عند وفاة المنذر ودخلنا في الإسلام، ثم قال الله تعالى: وصدها قبل ذلك عما دخلت فيه ضلالها عن سواء السبيل. وقيل وصدها الله أو سليمان عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار وإيصال الفعل. وقرئ أنها بالفتح على أنه بدل من فاعل صد أو بمعنى لأنها. الصرح:
القصر، وقيل صحن الدار. وقرأ ابن كثير سأقيها بالهمز، ووجهه أنه سمع سؤقا فأجرى عليه الواحد. والممرد المملس. وروى أن سليمان عليه السلام أمر قبل قدومها فبنى له على طريقها قصر من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه من دواب البحر السمك وغيره، ووضع سريره في صدره فجلس عليه وعكف عليه الطير والجن والإنس، وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظاما لأمره وتحققا لنبوته وثباتا على الدين وزعموا أن الجن كرهوا أن يتزوجها فتفضى إليه بأسرارهم لأنها كانت بنت جنية. وقيل خافوا أن يولد له منها ولد تجتمع له فطنة الجن والإنس فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشد وأفظع فقالوا له: إن في عقلها شيئا وهى شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار، فاختبر عقلها بتنكير العرش، واتخذ الصرح ليتعرف ساقها ورجلها فكشفت عنهما فإذا هي
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»